للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

يَكرَه أكثر ذلك.

وفي هذه الأزمان التي بَعُدَ العهد فيها بعلوم السلف يَتَعيَّن ضبط ما نُقِل عنهم من ذلك كله؛ ليتميز به ما كان من العلم موجودا في زمانهم، وما أُحدِث في ذلك بعدهم، فيُعلمَ بذلك السنة من البدعة.

وقد صَحَّ عن ابن مسعود -رضي الله عنه- أنه قال: إنكم قد أصبحتم اليوم على الفطرة، وإنكم ستُحدِثون، ويُحدَث لكم، فإذا رأيتم محدثة فعليكم بالعهد الأول. وابن مسعود -رضي الله عنه- قال هذا في زمن الخلفاء الراشدين.

وروى ابنُ مَهديّ عن مالك قال: لم يكن شيء من هذه الأهواء في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأبي بكر وعمر وعثمان، وكان مالك يُشير بالأهواء إلى ما حدث من التفرق في أصول الديانات، من أمور الخوارج، والروافض، والمرجئة ونحوهم، ممن تَكَلَّم في تكفير المسلمين، واستباحة دمائهم وأموالهم، أو في تخليدهم في النار، أو في تفسيق خواص هذه الأمة، أو عَكَسَ ذلك، فزعم أن المعاصي لا تضر أهلها، وأنه لا يدخل النار من أهل التوحيد أحد.

وأصعب من ذلك ما أُحدث من الكلام في أفعال الله تعالى في قضائه وقدره، فكَذّب بذلك من كَذَّب، وزَعَم أنه نزه الله بذلك عن الظلم.

وأصعب من ذلك ما حَدَث من الكلام في ذات الله وصفاته، مما سكت عنه النبي -صلى الله عليه وسلم-، والصحابة والتابعون لهم بإحسان، فقومٌ نَفَوا كثيرًا مما وَرَد في الكتاب والسنة من ذلك، وزَعَموا أنهم فعلوا تنزيها لله عما تقتضي العقول تنزيهه عنه، وزعموا أن لازم ذلك مستحيلٌ على الله عز وجل. وقوم لم يكتفوا بإثباته، حتى أثبتوا ما يُظَنّ أنه لازم له بالنسبة إلى المخلوقين، وهذه اللوازم نفيًا وإثباتًا دَرَجَ صدرُ الأمة على السكوت عنها.

ومما حَدَث في الأمة بعد عصر الصحابة والتابعين الكلامُ في الحلال والحرام بمجرد الرأي، ورَدُّ كثير مما وردت به السنة في ذلك؛ لمخالفته الرأي، والأقيسة العقلية.

ومما حَدَث بعد ذلك الكلام في الحقيقة بالذَّوْق والكشف، وزَعْمُ أن الحقيقة تنافي

<<  <  ج: ص:  >  >>