للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذن فمراعاةُ عوائد الأمم المختلفة هو خلاف الأصل في التشريع الإلزامي. وإنما يسعه تشريع الإباحة حتى يتمتع كل فريق من الناس ببقاء عوائدهم. لكن الإباحة لما كان أصلها الدلالة على أن المباح ليس فيه مصلحة لازمة ولا مفسدة معتبرة لزم أن يراعى ذلك في العوائد. فمتى اشتملت على مصلحة ضرورية أو حاجية للأمة كلها، أو ظهرت فيها مفسدة معتبرة لأهلها لزم أن يصار بتلك العوائد إلى الانزواء تحت القواعد التشريعية العامة من وجوب أو تحريم، ولهذا نرى التشريعَ لم يتعرّض لتعيين الأزياء والمساكن والمراكب،


= بالمثل في المثليات والقيمة في القيميات، ولقاعدة الخراج بالضمان. وربما ترك الحنفية هذا الموقف وظهرت مخالفتهم له في حالات كثيرة، كأخذهم بحديث أبي هريرة فيمن أفطر ناسياً، وخالفوا بذلك القياس والأصل. والراجح أن القائل بذلك الشرط إنما هو عيسى بن أبان أحد فقهاء الحنفية المتقدمين وهو اختيار أبي زيد الدبوسي. وهم الذين خرج أصحابهم حديث المصرّاة على وفق قولهم.
والمالكية لا يقبلون حديثاً يخالف عمل أهل المدينة. وهذا ظاهر من قول مالك في رفضه لخيار المجلس إذ قال عقبه: "وليس لهذا عندنا حد محدود ولا أمر معمول به فيه". ومثله فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - عند الخروج من الصلاة يسلم سلامين؛ أحدهما عن يمينه، وثانيهما عن يساره، لم يعمل به مالك واكتفى بتسليمة واحدة استناداً إلى عمل أهل المدينة فإنهم كانوا يسلمون سلاماً واحداً. ودليل المالكية في هذا أن عمل أهل المدينة بمنزلة روايتهم عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ورواية جماعة عن جماعة أولى بالتقديم من رواية فرد عن فرد. وقد ناقش ذلك الليث بن سعد في رسالته إلى مالك. ابن القيم. إعلام الموقعين: ٣/ ٩٤ - ١٠٠.
كما رده الشافعي وأصحابه في باب حكاية قول من رد خبر الخاصة. الأُم: ٧/ ٢٥٤ وما بعدها؛ الرسالة: ٥٣٣ - ٥٣٥، ف ١٥٥٦ - ١٥٥٩. الجويني. البرهان: ٢/ ١١٧٠ - ١١٧٢، ع ١٢٠٦ - ١٢٠٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>