للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلم يندب الناس إلى ركوب الإبل في الأسفار. ولم يمنع أهل مصر والعراق من ركوب الحمير، ولا أهل الهند والترك من الحمل على البقر. ولذلك لم يحتج المسلمون إلى تطلب دليل على إباحة استعمال العجل والعربات والأرتال. وكذلك أصناف المطاعم التي لا تشتمل على شيء محرم الأكل بحيث لا يسأل عن ذلك إلّا من جاهل بالتركيب أو جاهل بكيفية التشريع.

فنحن نوقن أن عادات قوم ليست يحق لها - بما هي عادات - أن يُحمَل عليها قوم آخرون في التشريع، ولا أن يُحمل عليها أصحابُها كذلك. نعم يراعي التشريع حمل أصحابها عليها ما داموا لم يغيّروها، لأن التزامهم إياها واطرادها فيهم يجعلها مُنَزَّلة مَنْزِلَة الشروط بينهم يُحملون عليها في معاملتهم إذا سكتوا عما يضادُّها. ومثاله قول مالك رحمه الله: بأن المرأة ذات القدر لا تجبر على إرضاع ولدها في العصمة، لأن ذلك عرف تعارفه الناس، فهو كالشرط (١)، وجعل قوله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} (٢)


(١) قال ابن العربي: قال مالك: كل أم يلزمها رضاع ولدها بما أخبر الله تعالى من حكم الشريعة فيها، إلا أن مالكاً - دون فقهاء الأمصار - استثنى الحسيبة. فقال: لا يلزمها إرضاعه. فأخرجها من الآية وخصّها فيها بأصل من أصول الفقه وهو العمل بالمصلحة. وهذا فن لم يتفطن له مالكي. وقد حققناه في أصول الفقه. والأصل البديع فيه هو أن هذا أمر كان في الجاهلية في ذوي الحسب. وجاء الإسلام عليه فلم يغيره، وتمادى ذوو الثروة والأحساب على تفريغ الأمهات للمتعة بدفِع الرضعاء إلى المراضع إلى زمانه، فقال به، وإلى زماننا فحققناه شرعاً. المسألة الخامسة في تفسير ٢٣٣ من البقرة. ابن العربي. الأحكام: ١/ ٢٠٦.
(٢) البقرة: ٢٣٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>