للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اختلافاً كثيراً في الاحتجاج بقضايا الأعيان، وبأخبار الآحاد إذا خالفت القواعد أي الكليات اللفظية أو المعنوية، أو خالفت القياس، أو خالفت عمل أهل المدينة على مذاهب معروفة في أصول الفقه (١).


(١) أصل الاختلاف في العمل بأخبار الآحاد ما كان عليه الصحابة من مواقف إزاء تلك الأخبار. فهم لا يعملون بخبر الواحد إلا إذا اطمأنوا لصحته ووثقوا بصدوره عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. ومن ثمّ كانوا بعد انتقاله - صلى الله عليه وسلم - إلى الرفيق الأعلى يتحرّون في الرواية. فمنهم من كان لا يقبله حتى يشهد اثنان بصحّته. وهذا موقف الشيخين أبي بكر وعمر؛ ومنهم من كان يستحلف الرواي أنه سمع الحديث كعلي بن أبي طالب؛ ومنهم من كان يرده ولا يعمل به لضعف ثقته بالراوي كرد علي حديث معقل بن سنان الأشجعي، أو لعلمه بأن الحديث منسوخ ومعرفة الناسخ له كرد سعد بن أبي وقاص حديث التطبيق الذي كان يرويه عبد الله بن مسعود، أو لمعارضته لما هو أقوى منه في نظره كرد ابن عباس حديث أبي هريرة في الوضوء من حمل الجنازة، وكرد عائشة حديث أبي هريرة في وجوب غسل اليدين في الوضوء قبل إدخالهما في الإناء، لمعارضته أصل رفع الحرج والضيق على الناس.
وبعد ظهور الأئمة المجتهدين وقيام المدارس أو المذاهب الفقهية بدا الاختلاف بينها في هذا الشأن. فكان فريق منها يأخذ بالاحتياط فيها، قاضياً بتحكيم القواعد العامة في التشريع، راداً ما خالفها من السنن، وفريق كان من احتياطه في الأمر عدم التساهل برد الأحاديث لمجرد عدم موافقتها للأصول العامة.
فالأحناف يردون الخبر إذا كان مخالفاً للقياس والأصول الشرعية إلا من راو معروف بالفقه والاجتهاد كالخلفاء الأربعة، وعبد الله بن عباس وعبد الله بن مسعود. وتطبيقاً لهذا المنهج لم يأخذوا بحديث المصرّاة الذي رواه أبو هريرة لكون راويه ليس معدوداً في فقهاء الصحابة، ولمخالفة الخبر أصلاً من الأصول الشرعية حيث جاء فيه الأمر برد صاع من التمر بدل اللبن، وفي ذلك مخالفة للقياس، ولقاعدة أن الضمان يكون =

<<  <  ج: ص:  >  >>