كونُها مقصودةً للشارع في تحصيل الراجح وإهمال المرجوح، وفي اعتبار عموم الحاجة إلى التحصيل وخصوصها. ويشبه أن يكون المخالف في تحصيلها بدون تردّد ملحقاً بنفاة القياس.
على أنك إذا افتقدت أحوال تحصيل المصالح ودرء المفاسد تجدها مختلفة. فليس أحوال إجراء العدل بين الناس في حقوقهم الخاصة والاجتماعية التي هي قوام المدنية في حالة السِّلم بمماثلة لأحوال مختلف إجراء المصالح الجندية والسياسية الحربية في حال الحرب والخوف عند مواجهة العدو، لأن أوقات الحروب ليس فيها متَّسع للتأمل والنظر في جزئيات المصالح، بل هي ساعات مُكنَة أو خروج من ضيقة تقتضي البدار إلى تحصيل أو دفع ما عنَّ من الفرص بقطع النظر عما عسى أن يلحقها من الأضرار الجزئية اللاحقة أو المصالح الجزئية الفائتة. على أنك تجد فرقاً واضحاً بين حالة دفع جيش العدو النازل وبين حالة قصدنا إلى بلاد العدو من حيث ما يتسع من التأمل لموازنة المصالح.
ونحن إذا افتقدنا إجماع سلف الأمة، من عصر الصحابة فمن تبعهم، نجدهم ما اعتمدوا في أكثر إجماعهم - فيما عدا المعلوم من الدين بالضرورة - إلّا الاستناد إلى المصالح المرسلة العامة أو الغالبة بحسب اجتهادهم الذي صير تواطؤَهُم عليه أدلة للظنية قريبة من القطع. وإنهم قلّما كان مستندهم في إجماعهم دليلاً من كتاب أو سنة، ولأجل ذلك عدّ الإجماع دليلاً ثالثاً، لأنه لا يدرى مستنده. ولو انحصر مستنده في دليل الكتاب والسنة لكان ملحقاً بالكتاب والسنة ولم يكن قسيماً لهما.
مثاله: جمع القرآن في المصحف. قد أمر به أبو بكر بطلب من