للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن التحسيني سد ذرائع الفساد (١). فهو أحسن من انتظار التورّط فيه.

فهذه أنواع المصالح باعتبار آثارها في قوام أمر الأمة. ولقد تتبع العلماء تصاريف الشريعة في أحكامها فوجدوها دائرة حول هذه الأنواع الثلاثة. ووجدوها لا تكاد تفيت شيئاً منها ما وجدت السبيل إلى تحصيله حيث لا يعارضه معارض من جلب مصلحة أعظم أو درء مفسدة كبرى.

وليس غرضنا من بيان هذه الأنواع مجردَ معرفة مراعاة الشريعة إياها في أحكامها المتلقاة عنها، لأن ذلك مجرد تفقه في الأحكام. وهو دون غرضنا من علم مقاصد الشرعية، ولا أن نقيس النظائر على جزئيات تلك المصالح، لأن ذلك ملحق بالقياس وهو من غرض الفقهاء. وإنما غرضنا من ذلك أن نعرف كثيراً من صور المصالح المختلفة الأنواع المعروف قصدُ الشريعة إياها، حتى يحصل لنا من تلك المعرفة يقين بصور كلية من أنواع هاته المصالح. فمتى حلت الحوادث التي لم يسبق حلولها في زمن الشارع، ولا لها نظائر ذات أحكام متلقاة منه، عرفنا كيف ندخلها تحت تلك الصور الكلية، فنثبت لها من الأحكام أمثال ما ثبت لكلياتها، ونطمئن بأننا في ذلك مثبتون أحكاماً شرعية إسلامية.


(١) وحسم مادة الفساد بسد الذرائع دفع لها. فمتى كان الفعل السالم عن المفسدة وسيلة للمفسدة، فإن مالكاً يمنعه في كثير من الصور. وليس هذا خاصاً بالمالكية، فإن الذرائع ثلاثة أقسام: أحدها أجمعت الأمة على سده ومنعه وحسمه كحفر الآبار في طريق المسلمين، وقسم أجمعت الأمة على عدم منعه وأنه ذريعة لا تسد ووسيلة لا تحسم كالمنع من زراعة العنب، وقسم اختلف فيه العلماء هل يسد أم لا؟ كبيوع الآجال عند المالكية، والحكم بالعلم. وقد بلغ نحو ألف مسألة. القرافي. الفروق: ٢/ ٣٢، ٣/ ٢٦٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>