الضروري وبين ما في تفويته حد. ولذلك لم يَعدَّه الغزالي وابن الحاجب ضرورياً.
وهذا الصنف الضروري قليل التعرض إليه في الشريعة، لأن البشر قد أخذوا حيطتهم لأنفسهم منذ القدم فأصبح مركوزاً في الطبائع. ولم تخل جماعة من البشر ذات تمدن من أخذ الحيطة له. وإنما تتفاضل الشرائع بكيفية وسائله.
ولننتقلْ إلى صنف الحاجي، وهو ما تحتاج الأمة إليه لاقتناء مصالحها وانتظام أمورها على وجه حسن، بحيث لولا مراعاتُه لَمَا فسد النظام، ولكنه كان على حالة غير منتظمة فلذلك كان لا يبلغ مبلغ الضروري.
قال الشاطبي:"هو ما يفتقر إليه من حيث التوسعة ورفع الحرج. فلو لم يراعَ دخَل على المكلَّفين الحرجُ والمشقةُ [على الجملة]، ولكنه لا يبلغ مبلغ الفساد [العادي] المتوقع في المصالح العامة"(١) اهـ.
ومثّله الأصوليون بالبيوع والإجارات والقراض والمساقاة. ويظهر أن معظم قسم المباح في المعاملات راجع إلى الحاجي. والنكاح الشرعي من قبيل الحاجي. وحفظ الأنساب، بمعنى إلحاق الأولاد بآبائهم من الحاجي للأولاد وللآباء. فللأولاد للقيام عليهم فيما يحتاجون ولتربيتهم النافعة لهم، وللآباء لاعتزاز العشيرة وحفظ العائلة.