للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولكن في هذه الحالة مضرّة عظيمة، وهي أن الشك في انتساب النسل إلى أصله يزيل من الأصل الميل الجبلي الباعث عن الذب عنه، والقيام عليه بما فيه بقاؤه وصلاحه وكمال جسده وعقله بالتربية والإنفاق على الأطفال إلى أن يبلغوا مبلغ الاستغناء عن العناية. وهي مَضَرّة لا تبلغ مبلغ الضرورة لأن في قيام الأمهات بالأطفال كفاية مّا لتحصيل المقصود من النسل. وهو يزيل من الفرع الإحساس بالمبرة والصلة والمعاونة والحفظ عند العجز. فيكون حفظ النسب بهذا المعنى بالنظر إلى تفكيك جوانبه من قبيل الحاجي. ولكنه لما كانت لفوات حفظه من مجموع هذه الجوانب عواقب كثيرة سيئة يضطرب لها أمر نظام الأمة وتنخرم بها دعامة العائلة، اعتبر علماؤنا حفظ النسب في الضروري، لما ورد في الشريعة من التغليظ في حد الزنا، وما ورد عن بعض العلماء من التغليظ في نكاح السر والنكاح بدون ولي وبدون إشهاد، كما سنبيّنه عند الكلام على مقصد الشريعة في نظام العائلة الراجع إلى حفظ حقوق الأولاد (١).

وأما حفظ العِرض في الضروري فليس بصحيح. والصواب أنه من قبيل الحاجي. وإن الذي حمل بعض العلماء - مثل تاج الدين السبكي في جمع الجوامع - على عدّه في الضروري هو ما رأوه من ورود حد القذف في الشريعة (٢). ونحن لا نلتزم الملازمة بين


(١) انظر بعد: ٤٢٠.
(٢) قال السبكي: والمناسب ضروري فحاجي فتحسيني. والضروري كحفظ الدين فالنفس فالعقل فالنسب فالمال والعرض. قال البناني: المشروع له حد القذف. وهذا زاده المصنف كالطوفي، وعطفه بالواو إشارة إلى أنه في رتبة المال، وعطف كلاً من الأربعة قبله بالفاء لإفادة أنه دون ما قبله في الرتبة. السبكي بحاشية البناني وتعليقات الشربيني: ٢/ ٢٩٣ - ٢٩٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>