للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عن يد مالكه إلى يد أخرى من أيدي الأمة بدون رضًى، لأن هذين من الحاجي لا من الضروري. ثم إن حفظَ الأموال الفردية يؤول إلى حفظ مال الأمة. وبه يحصل حصول الكلُّ بحصول أجزائه.

وأما حفظ الأنساب - ويعبّر عنه بحفظ النسل - فقد أطلقه العلماء ولم يبيّنوا المقصود منه، ونحن نفصل القول فيه. وذلك أنه إن أريد به حفظ الأنساب أي النسل من التعطيل فظاهرٌ عدُّه من الضروري، لأن النسل هو خِلفَةُ أفراد النوع. فلو تعطل يؤول تعطيلُه إلى اضمحلال النوع وانتقاصه، كما قال لوط لقومه: {وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ} (١) على أحد التفسيرين (٢). فبهذا المعنى لا شبهة في عده من الكليات لأنه يعادل حفظ النفوس. فيجب أن تحفظ ذكور الأمة من الاختصاء مثلًا، ومن ترك مباشرة النساء باطراد العزوبة ونحو ذلك. وأن تحفظ إناث الأمة من قطع أعضاء الأرحام التي بها الولادة، ومن تفشّي إفساد الحمل في وقت العلوق، وقطع الثدي، فإنه يكثر الموتان في الأطفال بعسر الإرضاع الصناعي على كثير من النساء وتعذره في البوادي.

وأما إن أُريد بحفظ النسب حفظ انتساب النسل إلى أصله، وهو الذي لأجله شرعت قواعد الأنكحة، وحرم الزنا وفرض له الحد، فقد يقال: إن عَدَّه من الضروريات غير واضح، إذ ليس بالأمة من ضرورة إلى معرفة أن زيداً هو ابن عمر وإنما ضرورتها في وجود أفراد النوع وانتظام أمرهم.


(١) العنكبوت: ٢٩.
(٢) وهو الإكراه على الفاحشة، والمراد: قطع سبيل النسل في ترك النساء وإتيان الرجال. ابن عطية. المحرر الوجيز: ١٢/ ٢١٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>