للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومثاله ما روى أبو ذر، قال: قال لي خليلي: "يا أبا ذر أتبصر أُحُدًا؟ " قلت: نعم. قال: "ما أحب أن لي مثل أُحُد ذهباً أنفقه كُلَّهُ إلّا ثلاثة دنانير" (١). فظن أبو ذر أن هذا أمر عام للأمة، فجعل ينهى عن اكتناز المال. وقد أنكر عليه عثمان رضي الله عنه قول ذلك كما سيجيء (٢).

١١ - وأما حال التأديب فينبغي إجادة النظر فيه؛ لأن ذلك حال قد تحف به المبالغة لقصد التهديد. فعلى الفقيه أن يميز ما يناسب أن يكون القصدُ منه بالذات التشريعَ، وما يناسب أن يكون القصد منه بالذات التوبيخَ والتهديدَ، ولكنه تشريع بالنوع أي بنوع أصل التأديب.

ومثال ذلك ما في الموطأ والصحيحين عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "والذي نفسي بيده لقد هممت أن آمرَ بحطب فيُحطبَ، ثم آمُرَ بالصلاة فيُؤَذّن لها، ثم آمرَ رجلاً فيؤمَّ الناس، ثم أخالف إلى رجال، فأُحرِّقَ عليهم بيوتَهم، والذي نفسي بيده لو يعلم


(١) هذا ما حدث به الأحنف بن قيس، وقد لقي أبا ذر، فقال له: قال لي خليلي. قال: قلت: من خليلك؟ فقال: النبي - صلى الله عليه وسلم -. قال: "يا أبا ذر أتبصر أحُداً؟ " قال: فنظرت إلى الشمس ما بقي من النهار وأنا أرى أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرسلني في حاجة له، قلت: نعم. قال: "ما أحبّ أنَّ لي مثلَ أحُد ذهباً أنفقه كله إلا ثلاثة دنانير، وإن هؤلاء لا يعقلون، إنما يجمعون الدنيا. لا والله لا أسألهم دنيا ولا أستفتيهم عن دين حتى ألقى الله". ٢٤ كتاب الزكاة، ٤ باب ما أدّي زكاته فليس بكنز، ح ٣. خَ: ٢/ ١١٢؛ ٨١ كتاب الرقاق، ١٤ باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ما أحب أن لي مثل أحُد ذهباً". خَ: ٧/ ١٧٨؛ وبمثل الرواية الأولى: ١٢ كتاب الزكاة، ١٠ باب في الكنازين للأموال والتغليظ عليهم، ح ٣٤. مَ: ١/ ٦٨٩ - ٦٩٠.
(٢) انظر بعد: ٤٥٦ - ٤٥٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>