للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن لبس القَسِّي، وعن لبس المُعَصفَر، وعن تختّم الذهب، وعن القراءة في الركوع والسجود، ولا أقول نهاكم" (١) يعني أن بعض هذه المنهيات لم ينهَ عنها جميعَ الأمة بل خصَّ بالنهي علياً.

ومن الأمثلة حديث أبي رافع: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "الجار أحقُّ بِصَقَبه" (٢) أي ما يليه، أي: أحق بشرائه إذا باعه جاره. فما هو إلا لحمل أصحابه على المواساة والمؤاخاة، ولذلك جعل الجار منهم أحق بالشفعة لأجل الصَّقَب، أي القرب. ولولا كلمة (أحق) لجعلنا الحديث لمجرد الترغيب. فلمّا وجدنا كلمة أحق علمنا أنه يعني: [أن] الجار من الصحابة أحق بشفعة عقار جاره، فلا تعارض بينه وبين حديث جابر: أن رسول الله قال: "الشفعة في ما لم يقسم، فإذا حُدّدت الحدود وصرِّفت الطرق فلا شفعة" (٣).

وكذلك حديث الموطأ والصحيحين عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يمنع أحدُكم جارَه خشبةً يغرزها في جداره" ثم يقول أبو هريرة: ما لي أراكم عنها معرضين، والله لأرمينَّ بها بين أكتافكم (٤). فحمل ذلك أبو هريرة على التشريع، وحمله مالك على


(١) انظر ٢٦ كتاب اللباس، ١١ باب من كرهه، ٤٠٤٤ - ٤٠٤٦. دَ: ٤/ ٣٢٢ - ٣٢٣.
(٢) تقدمت الإشارة إلى الحديث وتخريجه: ١٠٦/ ١.
(٣) تقدم في التعليق نفسه.
(٤) انظر ٣٦ كتاب الأقضية، ٢٦ باب القضاء في المرفق، ح ٣٢. طَ: ٢/
٧٤٥؛ ٤٦ كتاب المظالم، ٢٠ باب لا يمنع جار جاره أن يغرز خشبة في
جداره. خَ: ٣/ ١٠٢؛ ٢٢ كتاب المساقاة، ٢٩ باب غرز الخشب في جدار الجار، ح ١٣٦. مَ: ٢/ ١٢٣٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>