للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشهاب القرافي (١).

ومن ورائه نقول: إن لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - صفات وأحوالًا تكون باعثاً على أقوال وأفعال تصدر منه. فبنا (٢) أن نفتح لها مشكاة تضيء في مشكلات كثيرة لم تزل تُعنت الخلق، وتشجي الحلق. وقد كان الصحابة يفرّقون بين ما كان من أوامر الرسول صادراً في مقام التشريع، وما كان صادراً في غير مقام التشريع. وإذا أشكل عليهم أمر سألوا عنه.

ففي الحديث الصحيح أن بريرة لما أعتقها أهلها كانت زوجة لمغيثٍ العبد، فَمَلَكَتْ أمر نفسها بالعتق، فطلقت نفسها. وكان مغيث شديد المحبة لها، وكانت شديدة الكراهية له. فكلم مغيث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ذلك، فكلّمها رسول الله في أن تراجعه. فقالت:


(١) انظر تحرير القولين في الفروق. فإن مالكاً رأى هذا التصرّف من النبي - صلى الله عليه وسلم - بالإمامة. فلا يجوز لأحد أن يختص بسلب إلا بإذن الإمام في ذلك قبل الحرب. وقد خالف مالك هذه القاعدة التي اعتمدها في المسألتين السابقتين؛ لقوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} الأنفال: ٤١، حيث جعل في السلب الخمس لله وبقيته للغانمين. والآية مقدمة على الحديث، ولأن إباحة السلب للقاتل بدون إذن الإمام تفضي إلى فساد الإخلاص، وأن يحمل الإنسان بنفسه على قرنه من الكفار لما يرى عليه من السلب فربما قتله الكافر وهو غير مخلص في قتاله فيدخل النار، ولأن مقالة الرسول - صلى الله عليه وسلم -: "من قتل قتيلاً فله سلبه" إنما كانت منه ترغيباً في القتال، وهي مقيدة هنا بالمصلحة يراها الإمام. وذهب الجمهور إلى أن تصرّف الرسول - صلى الله عليه وسلم - هنا كان على سبيل الفتيا لأنها الغالب على تصرّفه، إذ شأنه الرسالة والتبليغ. القرافي. الفروق: ١/ ٢٠٨ - ٢٠٩.
(٢) فحريٌّ بنا. وقد تكرر هذا الاستعمال في كتاب المقاصد نحو ثلاث مرات: ١٨٠، ٣٦٢، ومع النفي: فليس بنا: ٥١٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>