للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشارع (شارع بغداد) إلا بناء واحد ضخم هو مدرسة اللاييك، أي المدرسة الـ «لادينية»، وكانت ثانوية أربعةُ أخماس طلابها منا نحن المسلمين. وكان الشارع خالياً من العمران، على جانبيه البساتين التي صارت اليوم صناديق من الأسمنت فيها ناس متزاحمون كالسردين في العلب، هذه هي البيوت الجديدة التي قطعنا نصف أشجار الغوطة لنقيمها. وما كان فيها سوى ذلك إلا بيوت قليلة في حارات معدودة، منها حارة الخطيب التي كنا نسكن داراً فيها مساحتها ستون متراً مربعاً، وكان أشهر مكان في الشارع «قهوة ديب الشيخ».

وما هي قهوة كالمقاهي (١) ولا هو مثل أصحاب القهوات. ديب الشيخ (أبو عبده) مرّ بكم ذكره عند الكلام على الثورة السورية، واحد من أعلام «الزكرتيّة». والزكرتي في الشام مثل «الفارس» في أوربا في القرون الوسطى. أمَا قرأتم قصة «الفرسان الثلاثة» لإسكندر دوماس (٢) (مع انهم أربعة لا ثلاثة) والصورة «الكاريكاتورية» للفارس في «دون كيشوت»؟

كان في كل حارة واحد أو جماعة منهم، إذا استجار بهم الضعيف أجاروه، وإن استنصرهم المظلوم نصروه، يحمون نساء الحارة كما يحمون نساءهم، يغارون على أعراض أهلها غيرتهم على أعراضهم، أكثرهم له دكّان يبيع فيه أو مركز يركز


(١) كلمة مقهى فصيحة، من «أقهى» أي أدام شرب القهوة.
(٢) الأب، وهو مثل تشارلز ديكنز عند الإنكليز، أما الابن فمؤلف «غادة الكاميليا».

<<  <  ج: ص:  >  >>