اسمه (أظنه الآن صار أباً بعد أن مرّ على هذه الحادثة التي أحدّث بها أربع وعشرون سنة) فغطس في المياه، فوثبتُ فأخرجته وقد ابتلّت ثيابه كلها!
فلم يبقَ في صبري بقية فشتمتهم وهدّدتهم بالضرب، وجئت بقضيب خوّفتهم به، ولكن الضرب لا يأتي الصغير بالثياب وثيابي لا تصلح له ولا أستطيع أن أدعه بأثوابه التي ينقط منها الماء. فنزعتها عنه وأخذت قميصي فربطته من حوله، وهو يصرخ ويأبى، ووضعت فوقه عمامة (غترة) لففته بها، وهو يرفض هذا الزيّ العجيب. والحقّ معه، ولكن ماذا أصنع له؟ ثم قلت لكبيرهم (وهو لطفي ابن الأستاذ الصباغ، وأحسبه صار الآن أستاذاً معروفاً) قلت له: يالطفي الله يرضى عليك أريد أن أنام نصف ساعة، فأسكتهم ولا تدعهم يوقظوني بصراخهم.
قال: نعم. وكدت أغفو وإذا به يصرخ صرخة توقظ الأموات، قال لهم: اسكتوا، عمو الشيخ قد نام، هل تريدون أن توقظوه؟ فأيقظني بصراخه ولم أعُد أستطيع أن أنام! ثم قالوا إنهم جاعوا ويريدون طعاماً، فلم أدرِ ماذا أصنع لهم، وأخذتهم إلى بيّاع أمام الباب في دكان تُقام من العيدان ومن صفائح الحديد (يسمّيها العامة هنا «صَنْدَقَة») وكان يمانيّاً أو حضرميّاً اسمه يَسْلَم، فقلت له: اعرض عليهم ما عندك من الحلويات ومن السكاكر ومن البسكوت. فأبى أكثرهم إلاّ طعاماً كطعام بيوتهم، وقبل فريق منهم أن يأخذوا مما عُرض عليهم وأدخلوه معهم الدار، فامتلأت الدار كلها بكسارة البسكوت وعلب الحلويات، وصارت تحتاج إلى تنظيف شامل كامل.