عنه معطفه؟ فعصفَت الريح وزعزعت الأشجار وأثارت الغبار، فبرد الفلاّح فأضاف إلى المعطف عباءة، ثم طلعَت الشمس صامتة هادئة فسَرَت الحرارة في جسده فألقى عنه المعطف.
كان الأستاذ عبد الرحمن يسوس الطلاب سياسة أب رفيق ولكنه حازم، وكان مع الأساتذة أخاً لطيفاً ولكنه أخ مُطاع. كنت أزوره في النهار تارة وأزوره في الليل حينما أقدم جدة، فأراه مع الطلاب يبشّ في وجوههم وينبسط إليهم ولا يعلو عليهم، وكذلك يعامل الأساتذة والمدرسين.
كنت أحدّثه يوماً عن التلبية في الحج، إذ تُذاع من الإذاعة والرائي بنغمة رتيبة ليس فيها حماسة المسلم ولا تتجلّى فيها روعة المناجاة، وقلت له: لو وجدت مَن يلبّي معي لجعلت لإلقائها أسلوباً آخر. فقال: لولا أني تعِب لذهبت معك فلبّيت مع الشباب، تقول أنت ما تقول فإذا وصلتَ إلى التلبية لبّينا معك. وسمع ذلك وكيلُ المدرسة، وأظنّ أن اسمه الأستاذ أبو الخير، فذهب معي إلى الرائي (التلفزيون) وذهب بعض المدرسين، وكان فيهم مدرّس من الشام نسيت اسمه له صوت جميل ومعرفة بالألحان، فسجّلنا التلبية بأسلوب جديد أذاعوه وأُعجب به الناس، ثم لم يعودوا إلى إذاعته. فانظروا كيف استطاع بلينه أن يجعل وكيل مدارس الثغر يذهب فيكون في جوقة (كومبارس) في الرائي لايجد في ذلك بأساً، ولو أمره بذلك أمراً لاستنكف وعصى.
* * *
هؤلاء الثلاثة الذين عرفت آباءهم حقّ المعرفة، ثم عرفتهم