وشتاءً وصيفاً، هل كان يستطيع أن يفهم عنك أو يتصور ما تقول؟ ولو كانا توأمين في بطن واحد فوُلد أحدهما قبل صاحبه وأمكن أن تسأله عنه، فبماذا يجيب سؤالك؟ ألا يقول لك إنه كان فبان وخلا منه المكان، إنه مات ودُفن تحت في الأعماق؟
فكيف رأى الولادة موتاً، وكيف لا نرى نحن الحقيقة فنعلم أن الموت ولادة جديدة؟
حياة الإنسان، كل إنسان، مراحل أربعة كل واحدة مما قبلها كالتي بعدها بالنسبة إليها، فالموت الذي نفرّ منه ونحاول أن نبتعد عنه ما هو إلاّ نقلة من مرحلة إلى التي بعدها. مرحلة حياتك وأنت جنين في بطن أمك، وحياتك في هذه الدنيا، وحياة البرزخ بينها وبين الآخرة، والحياة الدائمة الباقية وهي حياة الآخرة.
إن الموت في حقيقته ولادة وانتقال إلى مرحلة أرحب وأوسع، وكل ولادة فيها ألم. فلماذا آلم لموت ابنتي ولا أفرح أن قضت شهيداً (ولا تقُل شهيدة) بيد مجرم آثم، وأنها موعودة بما ادّخره الله للشهداء؟ والشهداء إن كانوا عندنا أمواتاً فإنهم عند ربهم أحياء يُرزَقون، أحياء ولكن لا تشعرون بحياتهم. فلماذا أتحاشى ذكرها، وإن ذُكرت فاضت مدامعي وشقّ الحزن قلبي؟ أين إيماني؟ اللهمّ إني أستغفرك وأتوب إليك، اللهمّ ارحمها وارحم عبد الرحمن الباشا الذي ذكّرني موتُه بها والذي كان يوماً بين تلاميذي، فلعلّ كلمة مما كنت أقول للتلاميذ كانت عاملاً صغيراً، صغيراً جداً، في توجيهه الوجهة التي ارتضاها الله له فيكون لي شيء من ثوابها.