للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مكانه، هل تستطيع أن تدرك سيره؟ ولكنه -على ذلك- يسير. عُدْ إليه المساء تجده قد انتقل من مكانه. وضع في القارورة حبراً وأنزل عليها الماء خيطاً رفيعاً، وعد إليها بعد حين تجد الحبر قد صار ماء. والليل أسود مظلم والضحى أبيض منير، فهل انتقل الكون من ظلام الليل إلى بياض النهار في لحظة واحدة، أم أن الله يولج النهار في الليل ويولج الليل في النهار؟

وكنت أنا طفلاً ثم صرت شاباً وأمسيت اليوم شيخاً، فهل أستطيع أن أحدّد اليوم والساعة اللذين انتقلت فيهما من الطفولة إلى الشباب ومن الكهولة إلى الشيخوخة؟

لماذا أرسلتَ إليّ ياصديقي هذه الصورة التي هاجت أشجاني وحرّكت لواعجي، وجعلتني أبكي ما مات من أيام عمري؟ كانت لي أسرة أودّعها كل صباح ذاهباً إلى المدرسة وأعود إليها كل عشيّة، فلم يبقَ منها أحد، وجاءت أسرة جديدة فيها زوجة لي وبنات وأحفاد، وبناتي صرن جدّات. أين كان هؤلاء كلهم لمّا كنت أذهب تلميذاً إلى هذه المدرسة؟ وإلى أين ذهب الذين كانوا يومئذ أركان أسرتي: جدّي وجدّتي وأبي وأمي وعمّتي، واثنان فقط من إخوتي؟ أين دمشق التي كانت يومئذ؟

ومَن يقول إنها هي دمشق التي نراها اليوم؟ هل في المئة من سكانها الآن واحد ممن كانوا يومئذ أهلها؟ لقد تبدّل الناس وتغيّر كثير من العادات والأعراف، والطرق والأحياء تغيّرَت. أين دمشق سنة ١٤٠٦ من دمشق سنة ١٣٣٧ لمّا كنت تلميذاً في المدرسة الجقمقية؟ أين رفاقي فيها؟ ما أحسب أنه بقي منهم إلاّ هدى

<<  <  ج: ص:  >  >>