الشرف حتى عند الإجرام. إن في العربية كلمات النذالة والخسة والدناءة وأمثالها، ولكن هذه كلها لا تصل في الهبوط إلى حيث نزل هذا الذي هدّد الجارة بالمسدس حتى طرقَت عليها الباب لتطمئن فتفتح لها، ثم اقتحم عليها، على امرأة وحيدة في دارها، فضربها ضرب الجبان. والجبان إذا ضرب أوجع! أطلق عليها خمس رصاصات تلقّتها في صدرها وفي وجهها، ما هربت حتى تقع في ظهرها، كأن فيها بقيّة من أعراق أجدادها الذين كانوا يقولون:
ولسنا على الأعقابِ تَدْمى كُلومُنا
ولكنْ على أقدامِنا تقطُرُ الدِّما
ثم داس الـ ... لا أدري والله بِمَ أصفه؟ إن قلت «المجرم» فمِن المجرمين مَن فيه بقيّة من مروءة تمنعه من أن يدوس بقدمَيه النجستين على التي قتلها ظلماً ليتوثّق من موتها، ربما كان في المجرم ذرّة من إنسانية تحجزه عن أن يخوض في هذه الدماء الطاهرة التي أراقها. ولكنه فعل ذلك كما أوصاه مَن بعث به لاغتيالها، دعس عليها برجليه ليتأكّد من نجاح مهمّته، قطع الله يديه ورجلَيه. لا، بل أدعه وأدع مَن بعث به لله، لعذابه، لانتقامه. ولَعذابُ الآخرة أشدّ من كل عذاب يخطر على قلوب البشر.
لقد كلّمتها قبل الحادث بساعة واحدة، قلت: أين عصام؟ قالت: خبّروه بأن المجرمين يريدون اغتياله وأبعدوه عن البيت. قلت: فكيف تبقين وحدك؟ قالت: بابا لا تشغل بالك بي، أنا بخير. ثق والله يا بابا أنني بخير. إن الباب لا يُفتَح إلاّ إن فتحته أنا، ولا أفتح إلاّ إن عرفت من الطارق وسمعت صوته. إن هنا