للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وصلنا كراتشي في أواخر آذار (مارس) من سنة ١٩٥٤، وخرجنا منها بعد شهرين اثنين. وكانت الدنيا في رمضان (١)، وكان السفر قُبَيل المغرب فما هي إلاّ أن أظلم الكون. وكان تحتنا غيوم ثِقال فلم نرَ ونحن في الطيارة إلاّ قليلاً من الأنوار، حتى إذا مضى هزيع من الليل كنا قد قطعنا الهند من غربها إلى شرقها في أعرض بقعة منها، مسافة ألفَي كيل، فوصلنا كَلكُتّا. وربما عدت إلى الكلام عن كلكتا وما رأيت فيها، وربما رجعت فأكملت ذكرياتي عن كراتشي وما بقي في ذهني منها.

وكان منظر كلكتا ليلاً من الجوّ من أروع المناظر. رقعة واسعة جداً تسلسلَت فيها أضواء الشوارع خطوطاً مستقيمة ومنحنية ومتقاطعة، لا يُرى طرفاها. وما ظنّك بمدينة كان فيها قبل ربع قرن خمسة ملايين ونصف المليون؟ فنزلنا في مطارها ساعة أكلنا فيها واسترحنا، ثم قامت الطيارة إلى رانغون عاصمة بورما، ولم تنزل بها، ومضت مشرّقة حتى وصلت بانكوك عاصمة سيام (التي دُعيت الآن تايلاند) وبينها وبين كلكتا مسافة ألف وسبعمئة كيل (كيلومتر). وكانت أراضي سيام (تايلاند) تبدو من الجوّ مزروعة، فيها الأنهار الكثيرة على ضفافها البيوت ذات الطراز الآسيوي، سقوفها مائلات مزخرَفات، وحولها الأشجار صفوفاً على أشكال هندسية، وليست فيها بقعة جرداء.

ولمّا نزلنا وجدنا في المطار حشداً كأنه كما بدا لنا وداع


(١) من هنا إلى آخر هذه الحلقة منقول عن كتاب «في أندونيسيا»، انظر فصلَي «من بغداد إلى جاكرتا» و «في الملايا» (مجاهد).

<<  <  ج: ص:  >  >>