كان موضوعي في هذه الحلقة مقابلة نفر من أعضاء المؤتمر العقيد أديب الشيشكلي، يوم كان هو الحاكم في سوريا، حكمه النافذ وقوله المسموع وإليه المرجع. فأين الشيشكلي؟ وأين مَن رأيت قبله وبعده من الحُكّام؟ وهل أقدر أن أعدّ من رأيت من الحُكّام؟
كنّا ونحن في المدرسة الابتدائية أيام الحرب الأولى نرى جمال باشا هو كل شيء، وإليه ينتهي في بلدنا كل شيء. يخافه الكبار فكيف لا نخاف -إن ذُكر اسمه- نحن الصغار؟ كان معه الجيش، ومعه المال، ومعه السلاح. وكان يشنق ... لا يزال أمام عيني منظر المشنوقين في ساحة المرجة أيام الحرب العالَمية الأولى. وبكيتهم مع من بكاهم وسَمّيتهم الشهداء مع من سَمّاهم، وقلنا للمرجة بعدهم «ساحة الشهداء»، ثم لمّا كبرت وعرفت بعض ما كنت أجهل من الحقائق علمت أن أكثرهم لم يكونوا شهداء ولا مظلومين برآء، ولكن كان أكثرهم مجرمين. كانوا جواسيس وكانوا أعواناً للإنكليز والفرنسيين، ثبت ذلك من الأوراق الرسمية التي وجدوها في القنصلية البريطانية والفرنسية ومن وثائقهما (١).
فكيف تضيع حقائق التاريخ في دعايات بعض الدول وبياناتها الرسمية؟ إنْ كذب عليك ولدك أو تلميذك نصحتَه ثم زجرته ثم عاقبته. ولكن من يعاقب من يزوّر التاريخ وهو يملك كلّ وسائل التزوير وأنت لا تملك من أسباب التصحيح شيئاً؟ السلطان معه
(١) انظر التعليق الذي سبق في أواخر الحلقة الخامسة من هذه الذكريات (مجاهد).