الصداقة بين بيتنا وبيته منذ مئة وخمسين سنة (فقرأ جدّي الأكبر على شيخ البيت الخاني وقرأ أهل البيت على جدي) والذي كنتُ إذا رأيتُه رأيت في طلعته صورة أبي الحبيب قد عادت حيّة بعدما واراها التراب وحالت بيني وبينها السنون، الرجل الذي خُلق من الحُبّ فكان يُحبّه كلّ قلب، وصيغ من الجمال فكان جميلاً في كل عين، والذي كانت له الهيبة وكان له الجلال ... لم يبقَ منه إلاّ صورة في الذاكرة وفكرة في النفس، وحديث حلو من أحاديث النبل والطّيب والكرَم يتداوله الناس من بعده؟ أحق أنه قد مات عزيز أفندي الخاني، ووقف ذلك القلب الذي لم يخفق إلاّ بالحبّ، وكان ينشر الحبّ حيثما سار كما تنشر العطرَ الأزهارُ والشمسُ الأنوار؟
أفي كل يوم ينطفئ مصباح، ويهوي نجم، ويموت عالم؟ أين الشيخ بدر الدين الحسني؟ أين السيد محمد بن جعفر الكتاني؟ أين الشيخ عطا الكسم؟ أين من قبلهم الشيخ جمال الدين القاسمي؟ أين الشيخ أمين سويد؟ أين الشيخ مصطفى الطنطاوي؟ أين الشيخ الجوبري والشيخ الأيوبي والعلمي؟ أين مشايخ القراء: الحلواني والمنجّد والعربيني؟ وأين العشرات ممّن فقدنا من العلماء؟ مَن خلفهم من أولادهم أو من تلاميذهم؟ مَن سدّ المكان الذي أخلوه؟
مضوا ومضت معهم كنوز من العلم، ودُفنت معهم ثروات من المعرفة ما حوتها الكتب ولا حفظتها التصانيف، لأن القوم كانوا راغبين عن الكتابة منصرفين عن التأليف. أدمغة عبقرية غذّاها