للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومدير الدار الأستاذ الكبير الشيخ المعمَّر فهمي المدرّس؟ لقد كنت وحدي الشابّ بينهم، وكانوا كلّهم أكبر مني سناً، وأكثر علماً وفضلاً وأعلى منزلة.

أين مني تلك الأيام، وماذا أجد إن ذهبت من بقاياها، من أريجها، من عطرها، من أنقاضها، من آثارها؟

وتلاميذي الذين لا أحصيهم عدداً، وإن ظللت أذكرهم أبداً، وأتعلّل بذكراهم على طول المدى وبعد الزمان. لقد كان منهم عبد السلام عارف رحمه الله، لقد صار رئيس الجمهورية، وكلّما قابل أحداً من أهل الشام سأله عني وعن أنور العطّار. ولكن لم ألقَه بعدها. أنا أتهيب أن أطرق باب الرفيق إن لم يتّصل حبلي تماماً بحبله ولم ترتفع الكلفة بيني وبينه، فكيف برئيس الجمهورية؟ حتى إن مَن صار وزيراً من تلاميذي لم أعُد أراه، إذ هو في شغل عن زيارتي وأنا في عزوف عن زيارته.

وقليل من الطلاّب الذين لبثوا -على طول العهد- محافظين على الودّ، منهم ... بل دعوني أسُق لكم خبره قبل أن أقول لكم من هو: كان طالباً في الشهادة الثانوية سنة ١٩٣٦، فلما نالها دخل الكلّية العسكرية، فتخرّج فيها وتدرّج صاعداً في الرتَب العسكرية حتى صار عقيداً (كولونيل)، فحدثت أحداث في العراق اضطرّته إلى ترك العسكرية، فماذا صنع؟ هل قعد في بيته يبكي ما فقد، يندب ماضيه يائساً من مستقبله؟ إن أصحاب الهِمَم العالية إذا هبطوا الجبل من جانب قاموا يحاولون صعوده من الجانب الآخر، لأنهم لا يطيقون البقاء في الحضيض بل يبتغون

<<  <  ج: ص:  >  >>