سنة، والتي بلغ سُكّانها مليونين على حين كان في بغداد أيضاً نحو مليونَين. وسأحدّثكم حديثها، ولكني أستحلفكم من الآن إن زرتم بغداد أن تجوزوا بسامرّاء، فليس في آثار المجد الإسلامي ما هو أروع منها ولا في قصص الآثار العربية ما هو أحلى وأشجى من قصّتها، اللهمّ إلاّ تاج محلّ (تاج محل في أغرا، وأغرا عند دهلي).
ومضى الفِلم، وبدت صورة بغداد وقد بلغت قمّة مجدها وجلالها وحازت ما لم تَحُزه قبلها مدينة من مدن الأرض.
وهذا يوم واحد من أيام بغداد العظيمة. ولست مستطيعاً أن أصوّر لكم كلّ ما كان في ذلك اليوم، فهل رأيتم في السينما مشاهد تتويج الملكة في إنكلترا مثلاً؟ إني أؤكّد لكم القول إن حفلات التتويج تكون حادثاً صغيراً إذا قيست بحفلات استقبال وفد قيصر القسطنطينية في بغداد أيام المقتدر.
لقد وقف مئة وستون ألف جندي بأكمل عدّة وأفخر ثياب من خارج المدينة إلى باب قصر التاج، جنود من كلّ البلاد وكلّ الأجناس، وأقيمت الأقواس والأعلام وسُلْسِلَت المصابيح، ومُدّت النمارق والسجّادات والبُسُط العجيبة على طول الطريق، فبلغ عددها اثنين وعشرين ألف قطعة سجّاد. وخرج أهل بغداد جميعاً (وقد زادوا يومئذ عن ثلاثة ملايين) إلى الطرقات التي سيجتاز بها موكب الوفد، فبلغَت أجرة مجلس الرجل الواحد في الدكّان أو على السطح عشرين درهماً، أي أكثر من دينار!