المَلَكُ إِلَى الله تَعَالَى فَقَالَ: إنَّكَ أَرْسَلْتَني إلى عَبدٍ لكَ لا يُريدُ المَوتَ وقَدْ فقأَ عَيْني، قَالَ: فردَّ الله إلَيْهِ عَيْنَهُ وقَالَ: ارجِعْ إِلَى عَبدِي فَقُل: الحَيَاةَ تَريدُ؟ فإنْ كنْتَ تُريْدُ الحَياةَ، فضَعْ يدَكَ علَى مَتْنِ ثَوْرٍ، فَمَا وارَتْ يدُكَ منْ شَعْرةٍ فإنَّكَ تَعِيشُ بِهَا سَنةً، قَالَ: ثُمَّ مَهْ؟ قَالَ: ثُمَّ تَمُوتُ، قَالَ: فالآنَ مِنْ قَرِيبٍ، رَبِّ! أَدْنِني مِنَ الأَرْضِ المُقدَّسَةِ رَمْيَةً بِحَجرٍ. قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "والله لوْ أنِّي عِندهُ، لأَرَيْتُكُمْ قَبْرَهُ إلى جَنْبِ الطَّريقِ عِنْدَ الكَثِيبِ الأَحْمَرِ".
قوله:"فلطمَ موسى عينَ ملكِ المَوْت ففَقَأَها"، الحديث.
(اللَّطْمُ): الضَّرْبُ على الوجه بباطنِ الكفِّ، و (الفَقءُ): الشَّقُّ، فَقَأْتُ عينَه؛ أي: شَقَقْتُها؛ أي: أَعْمَيْتُها.
قيل: الملائكة يَتَصَوَّرُون تصُّورَ الإنسان، وتلك الصُّوَر بالنسبة إليهم كالملابس بالنسبة إلى الإنسان.
واللَّطْمَةُ أَثَّرَتْ في العين الصُّورِيَّة لا في العين المَلَكية، فإنها غير متأثِّرةٍ باللَّطْمة وغيرها، وإنما لطَمَها موسى - صلوات الله عليه - من حيث إنَّ الأنبياءَ - صلوات الله عليهم - كانوا مخيَّرين من عند الله سبحانه آخرَ الأمر بأحد الشيئين، إما الحياة وإما الوفاة، فأقدمَ مَلَكُ الموتِ على قَبْضِ روحهِ - صلوات الله عليهما - قبل التخيير؛ فلهذا سبقتْ منه هذه اللَّطْمَة.
وقيل: كرهَ الموتَ كراهيةً شديدةً بحيث لو أمكَنه لَطْمُه وفَقْء عينه لفعل؛ لأن إجراءَه على الظاهر وهو في صورته المَلَكية لا يمكن، وعلى صورته المتشكِّلِ هو بها لا يجيزه النبيُّ المعصوم.
إن قيل: ما الحكمة في أنَّ موسى عليه السلام أعمى عينَ مَلَك الموت، ولم يَعُدَّه ذنبًا، مع أنَّه مرسَلٌ من عندِه تعالى، والله سبحانه ما عاتبَ عليه، بل قال:"ارجعْ إلى عبدي" الحديث، تمهيدًا لعذره، وإذا قتل قبطيًا كافرًا ندم على