قيل: لما نَزَلَت هذه الآيةُ قيل: شكَّ إبراهيمُ ولم يَشُكَّ نبيُّنا، فقال - صلى الله عليه وسلم -: (نحن أحقُّ بالشَّكِّ منه)، قاله تواضعًا وتقديمًا لإبراهيم عليه السلام؛ أي: أنا دونَه ولم أشُكَّ، فكيف يشكُّ إبراهيم؟.
قوله:"ويرحمُ الله لوطًا، لقد كان يَأْوِي إلى رُكْنٍ شَدِيدٍ"؛ يعني: أنَّ لوطًا عليه السلام حين قصدَ قومُه أضيافَه بسوء، ظانَّين أنهم غلمانٌ، وكان يناظِرُهم من وراءِ الباب مغلَقًا، ما تكلَّم بهذا إلا ساهيًا ناظرًا إلى ضَعْف البشرية، عاجزًا عن مقاومتهم، وهو قوله تعالى حكايةً عنه - صلى الله عليه وسلم -: {لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ}[هود: ٨٠] يعني: لو أنَّ لي بدفعكم قوةَ البدن، أو أنضمُّ إلى عشيرةٍ منيعة لدفعناكم، وما صدَرَ منه عليه السلام هذا القولُ إلا حينما صَعُبَ عليه الأمر، وضاقَ الصدر، فدعا له النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بالمغفرة؛ لعِظَمِ ما جَرى على لسانِه غيرَ راضٍ به قلبُه، ناسيًا ملاذَ كلِّ مخلوق بما دَهمه من قومه، إذ لا ركنَ أعظمُ وأشدُّ منه.
ويحتمل أن يقال: هذا من قَبيل ما قيلَ: حسناتُ الأبرار سيئاتُ المُقَرَّبين، فلهذا عدَّه النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - نادرةً، ودعا له بالمغفرة.
قوله:"ولو لبثتُ في السجن ما لبثَ يوسفُ لأجبتُ الداعيَ"؛ يعني: لأجبت داعيَ الملك حين قال: {ائْتُونِي بِهِ} ولم أقلْ لرسول الملك: {ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ}[يوسف: ٥٠]، وتركتُ التفتيشَ عن شأنهنَّ، وإنما قاله - صلى الله عليه وسلم - تواضعًا.
وقيل: أشار النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بقوله:(لأجبت الداعيَ) إلى مقام التفويض، وهو أنه كلُّ ما يأتي إليه يتلقَّاه بالقَبُول، ويتركُ الوسائط، ولا يتلقَّى الفَرَجَ قبلَ مجيئه؛ يعني: لو كُنْتُ مكانهَ لتلقَّيتُ دعوةَ الداعي مستعينًا بالله سبحانه، ومفوِّضًا إليه أمري.