والثالثة: قوله: سارة أختي، وهي كانت زوجتَه؛ يعني حين سأله المَلَك القاصِدُ سارَة عن حالها، قال: أختي، خلاصًا لها عن شَرِّه.
فالحاصل: أن هذه الكذبات الثلاث كان إبراهيم عليه السلام يناضلُ بها عن دينه، وكلُّ واحدة منهن تَقبلُ تأويلًا مبرِّئًا لساحة عصمته عن غبار الكذب.
أما تأويلُ الأولى التي قوله:{إِنِّي سَقِيمٌ} أنَّ كل واحدٍ من الناس - وإن كان معافًى - لا بد له من تغيير المزاج والموت، فقوله:{إِنِّي سَقِيمٌ} أي: سأسقم، أو أنَّه إذا خُلِقَ للموت فهو سقيم دائمًا، أو أنه إذا نظر في النجومِ استدلَّ بها على سُقْمٍ في بدنه، وكان علم النجوم حقًا ومن النبوة، ثم نُسِخ.
وتأويل الثانية التي هي قوله:{بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ} أنه عليه السلام قاله إلزامًا للحُجَّةِ عليهم، على معنى أنه يجب أن يفعلَه كبيرُهم لو كان معبودًا؛ لئلَّا يُعْبَدَ معه غيرُه، أو على تقدير الشرط، كأنه قال: إنْ كانوا ينطقون فقد فعلَه كبيرُهم، وتأويلُ الثالثة التي هي قوله: سارة أختي، أنه أراد عليه السلام هي أختي في الدين.
فإن قيل: لم عَدَلَ الخليلُ عليه السلام عن الزوجية إلى النسبية؟.
قيل: لأن دينَ الملكِ القاصِدِ لها لا يُحِلُّ له التزوُّجَ، ولا التمتُّعَ بقرابات الأنبياء عليهم السلام، فلهذا عَدَلَ إلى النسبة.
واختلفَ الأئمة في جواز الصغائر على الأنبياء عليهم السلام، فطائفة يجوِّزون ذلك سهوًا من غير تأويل، وهم أهلُ السنة، وطائفةٌ يجوِّزون كل ذلك عَمْدًا وسهوًا بتأويل، وهم أكثرُ المعتزلة، هذا على رأي الأصوليين، أما المفسرون فقد اتفقوا في التأويل.