فلَمَّا دخَلَتْ عليهِ ذَهَبَ يتناوَلُها بيدِهِ فأُخِذَ - ويُروَى فغُطَّ حتَّى رَكَضَ برِجْلِه - فقالَ: ادعِي الله لي ولا أَضُرُّكِ، فدعَتِ الله فأُطلِقَ، ثُمَّ تناوَلَها الثَّانِيَةَ فأُخِذَ مِثْلَها أو أَشَدَّ، فقال: ادعِي الله لي ولا أَضُرُّكِ، فدعَتِ الله فأُطلِقَ، فدَعا بعض حجَبتِهِ فقالَ: إنَّكَ لمْ تأتِني بإنسانٍ إنَّما أتيتَني بشَيْطانٍ، فأخْدَمَها هاجَرَ، فأتَتْهُ وهو قائِمٌ يُصَلِّي، فأَوْمَأ بيدِهِ مَهْيَمْ؟ قالت: رَدَّ الله كَيْدَ الكافرِ في نَحْرِهِ وأَخْدَمَ هاجَر".
قال أبو هُريرَةَ - رضي الله عنه -: تِلْكَ أُمُّكُم يا بني ماءِ السَّماءِ.
قوله: "ثلاث كذبات ثنتين منهن في ذات الله قوله: {إِنِّي سَقِيمٌ}[الصافات: ٨٩] وقوله: {بَلْ فَعَلُهُ كَبِيُرهُمْ}[الأنبياء: ٦٣] ": الحديث.
يعني: ثِنتان من الكذبات الثلاث مشتملتان على تنزيهِ الله سبحانه عما كان قومه مُكِبين عليه من الإشراك في الربوبية والدعوى الباطلة.
إحداهما: قولُه سبحانه حكايةً عن قوله: {إِنِّي سَقِيمٌ} وما قبلَه يدلُّ على أنَّه نَزَّهَ ذاته عما يقولُه الكفرةُ له من عبادة الأصنام، وهو قولُه تعالى حكايةً عنه: {إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ (٨٥) أَئِفْكًا آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ (٨٦) فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (٨٧) فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ (٨٨) فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ} [الصافات: ٨٥ - ٨٩] فسَبَبُ نَظَره في علم النجوم وقوله: {إِنِّي سَقِيمٌ} أنهم طلبوا منه عليه السلام أن يخرجَ معهم إلى عيدٍ لهم من الأعياد، فأراد أن يتخلَّفَ عن الأمر الذي هم به، {فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ (٨٨) فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ} [الصافات: ٨٨، ٨٩]؛ أي: خارجٌ مزاجي عن حد الاعتدال، وقلَّ من يخلو عنه.
والثانية: قولُه سبحانه حكايةً عن قوله: {قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ}[الأنبياء: ٦٣]، وما قبلَه أيضًا يدلُّ على تنزيه ذاتهِ تعالى عما يقولُ قومُه من الضلال، وهو قولُه تعالى حكايةً عنه عليه السلام:{بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ} إلى قوله: {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ}[الأنبياء: ٥٦ - ٦٣]