قوله:"والمُنَابَذَة: أن ينبذَ الرجلُ إلى الرجل بثوبه، وينبذَ الآخرُ ثوبَه"؛ يعني: باعَ أحدُهما ثوبَه من الآخر، وباع الآخرُ ثوبَه ثمنًا من ذلك الثوب؛ يعني: بادَلَا ثوبًا بثوبٍ من غير أن يجريَ بينهما إيجابٌ وقَبولٌ في اللفظ، بل جعلا مجردَ النبذ بيعًا، وهذا باطلٌ؛ لأن الفعلَ لا يكون بيعًا، بل البيعُ هو الإيجابُ والقَبولُ باللفظ، وكذلك إذا قال رجل لآخر: إذا نبذتُ إليك هذا الثوبَ فقد وجبَ لك البيعُ بكذا دينار، لا يجوز؛ لِمَا ذكرنا.
قوله:"عن غير نظر"؛ يعني: من غير أن يرِيَ كلُّ واحدٍ ثوبًا لآخرَ، فلا يجوز؛ لأنه إذا لم يَرَه يكون البيعُ غائبًا، وبيعُ الغائبِ لا يجوز.
قوله:"ولا تراضٍ": فالتراضي غيرُ معتبرٍ بينهما، بل المعتبرُ الإيجابُ والقَبولُ، ورؤيةُ المَبيع قبل الإيجاب والقَبول - وإن لم يَجْرِ بينهما الإيجاب والقَبول، ولو لم يَرَ المَبيعَ - لا يجوز البيعُ وإن تراضَيَا.
وجوَّز أبو حنيفة بيعَ ما لم يَرَه المشتري، وفيه قول للشافعي.
"الاحتباء": أن يجلس الرجلُ على مقعده ورُكبتاه منصوبتانِ، والمراد ها هنا: أن يأخذ ثوبَه على ساقه بحيث أن يكون ثوبُه مجموعًا عند ساقه كإزارٍ ملفوفٍ، وعورتُه ظاهرةٌ، وليس على عورته شيءٌ من ثوبه، فهذانِ النوعان - غير الصمَّاءِ والاحتباءِ - حرامانِ؛ لأن عورتَه ظاهرةٌ، وكشفُ العورةِ حرامٌ، وفِعلُ هذَين النوعَين مِن لبسِ أهل الجاهلية، فنهاهم رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك.
* * *
٢٠٨٧ - وعن أبي هريرةَ - رضي الله عنه - قال: نَهَى رسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عِنْ بَيْعِ الحَصاةِ وعَنْ بَيْعِ الغَرَرِ.