سبحانه عنهما في قتل النفس، وخرق السفينة، وإقامة الجدار، وقد سأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم عن صلاة الصبح "فأمره أن يصلي معه يومين" الحديث، فأخر البيان حتى أوقعه بالفعل.
وقد فرض الحج، وأخر بيانه حتى حج النبي صلى الله عليه وسلم، وبين المناسك حالا فحالا، هكذا نصب الزكوات وأحكامها، والصلوات وأنواعها، وركوعها وسجودها، أخر بيان جميع ذلك عن أوقات ورود الأمر بها على الجملة، إلى غير ذلك مما يكثر تعداده، وبعض هذه الظواهر وإن نوزع في التعلق بها، فإن جميعها وتكاثرها يقضي وقوع تأخير البيان، مع المنقول في الحج والصلاة من الأحوال الدالة على التأخير.
[فصل يشتمل على ذكر المقالات في مبادئ اللغات]
فينبغي أن نقدم بين يدي القول في هذا الفصل الاعتذار عن إيراده في أصول الفقه مع العلم بأنه لا تمس الحاجة إليه، في النظر في الأصوليات، ولا يستعمل قانونا كليًا في شيء من الاستدلالات، فالعذر في إيراد الأصوليين له مع كونه لا ثمررة لهم في علمهم، أن أصول الفقه معظمها يستند إلى النظر في دلالة الصيغ كالعموم والخصوص، وأحكام الأمر والنهي، ودليل الخطاب ومفهومه، وإلى النظر في إشارات معانيها، وهو مبدأ القياس، والنظار في الفقه لا يكمل نظره دون أن يكون عارفا بجزء من أجزاء اللغة، وهو قوانين كلية، تعقد في أحكام بعض الألفاظ التي يكثر دورانها في الكتاب والسنة.
فحسن عندهم لما كانت أصول الفقه متعلقة بالإحاطة بفن من اللغة أن يذكروا مبدأ ذلك الفن، فيكون تكميلا في العلم المنظور فيه، وربما يشار في هذا إلى أن من فوائد الكلام عليه النظر في جواز اللغة.
فأما ما يتعلق بالأحكام الشرعية، ومستند الأحكام فيه ألفاظ ما، فمتى غيرت وقلبت اختلطت الأحكام، وفسد النظام، واندرست من الشريعة الأعلام، فإن هذا لا يختلف في تحريم قلبه وإفساده لا لأجل نفسه، لكن لأجل ما يؤدي إليه من إفساد الشرع.
وأما ما لا تعلق له بالشرع من الألفاظ فقد حكي عن بعض من يقول إن أصل اللغة توقيف، أن القلب لا يجوز، فلا يسوغ عندهم أن يسمى الثوب فرسا، والفرس دارا، وأما من يقول إن أصل اللغة الاصطلاح فلا مانع عنده يمنع من قلب هذا النوع من الأسماء، وأما من يجوز الأمرين جميعا، كونها اصطلاحا وتوفيقا، فاختلفت إشارة المتأخرين إلى ترجيح هذه المسألة على هذا المذهب.