فأما الأدري، فإنه يشير إلى تجويز ذلك، كما يجوز عند أصحاب الاصطلاح. وأما أبو القاسم عبد الجليل الصابوني فإنه يشير إلى منع هذا، ويعتل بأنا نجوز كون اللغة توقيفا، ونجوز كون هذا التوقيف واردا على أنه وجب على السامعين له ألا ينطقوا إلا به، وهذا الذي قاله بعد عن طريق الفقه.
وهذه المسألة فقية محضة، لا مدخل لها في الأصول، لأن النظر فيما لا يحل له إيقاعه من لفظه أو حركة، أو لحظة أو سكتة، أو غير ذلك من ضروب الأفعال إنما هو شغل الفقيه، وتعيني التحليل أو التحريم في مسألة بعينها لا يوجد في علم الأصول.
وقد علم أن الفقهاء المحققين لا يحرمون الشيء لجواز أن يكون قد ورد شرع بتحريمه، وإنما يحرمونه إذا حققوا ورود الشرع بتحريمه، فإذا لم يعلموا ورود حكم الشرع، فهاهنا يختلفون هل يحملون ذلك في العقل على الحظر، أو الإباحة، وهذا فن آخر غير ما نحن فيه. كيف؟ وهذا (...) يجوز مع القول بأن اللغة توقيف أن يرد التوقيف بمورد الإيجاب، أو مورد الإباحة، أو الندب، فالتصميم بالفتيا بأحد الجائزات من غير ترجيح جائز على جائز، لا سبيل إليه، ولو رجح بالاحتياط للتحريم لكان هذا نظرا في المسألة من جهة أخرى (...) الأشياء على الحظر عند عدم ورود الشرع.
وإذا وضح القول عن العذر عن إدخال هذه المسألة في (ص ٥١) أصول الفقه، ووضح ما قلناه من هذه الفائدة، وأنها بعد بيانها ملتحقة بالفقيهات لا بالأصوليات فلنعد إلى مقصود الباب فنقول:
اختلف الناس في مبادئ اللغات كلها:
فمنهم من قطع بأن مبدأها التوقيف، ولم يجوز سواه، ويحكى عن الشيخ أبي الحسن الأشعري ئة أن أصلها توقيف كما قال هؤلاء، ولكن لست أدري هل يمنع سواه كما منع هؤلاء، أو يجوز سواه، وإنما قطع بما قال سمعا.
ومن الناس من قال بعضها توقيف، وبعضها اصطلاح، والقاضي أن الطيب رضي الله عنه في جماعة من المحققين يجوز وقوع اللغات على جميع هذه الجهات.
وهذه المذاهب المنقولات، وتلخيص النكتة التي يعتمد عليها في تصحح مذهبه، والرد على من سواه من المذاهب، أن سماع اللغة من قبل الباري سبحانه ممكن في العقول،