للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النجاسة في الماء قد تكون تارة بورودها على الماء، وتارة بورود الماء عليها، فلما كان الماء إذا ورد على النجاسة لم ينجس إلا بالتغيير، وجب إذا وردت النجاسة على الماء أن لا ينجس إلا بالتغيير.

واستدل أبو حنيفة ومن قال بقوله على أن نجاسة الماء معتبرة بالاختلاط، بما روى أبو هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يبولنّ أحدكم في الماء الدائم الذي (١) لا يجري ثم يغتسل منه". أخرجه البخاري (٢). فمنع من ذلك لأجل التنجيس بالاختلاط من غير اعتبار قدر فيه، وما روي عن ابن عباس: إنه نزح بئر زمزم من زنجي مات فيه.

ومعلوم أنّ ماءها كثير، ولم يقبل التغيير ولم ينكر ذلك أحد من علماء العصر، مع ضنهم بماء زمزم أن يراق بغير حق، وأن يستعمل إلا في قربة؛ فصار إجماع العصر، ولأنه ماء خالطته نجاسة فوجب أن يكون نجسًا قياسًا على ما دون القلّتين، ولأنه مانع ينجس قليله بمخالطة النجاسة قياسًا على سائر المائعات، ولأن العين الواحدة إذا اجتمع فيها حظر وإباحة، يغلب حكم الحظر على الإباحة كالمتولد بين مأكول وغير مأكول، وكالولد إذا كان أحد أبويه وثنيًا والآخر (١) كتابيًا فاقتضى شاهد هذه الأصول في تغليب الحظر أن يغلب حكم النجاسة على الطهارة (٣).

واعترضوا وحديث القلَّتين مما سنذكره عن ذكره وأما ما ذكرناه عن الإمام أحمد ومن قال بقوله فحجتهم حديث أبي هريرة الذي ذكرناه: "لا يبولنّ أحدكم في الماء الدائم ... الحديث".


(١) قوله الذي لا يجري ليست في الحاوي الكبير وكذا قوله أخرجه البخاري فلعلها زيادة توضيح من المصنف.
(٢) رواه البخاري في صحيحه كتاب الوضوء (١/ ٩٦) برقم ٢٣٩ باب البول في الماء الدائم.
(٣) الحاوي الكبير (١/ ٣٢٦ - ٣٢٧) ثم ذكر الماوردي فصلًا في دفع ما اعترض به الخصم عن حديث القلتين (١/ ٣٢٧ - ٣٣٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>