ووجه آخر في الفرق بينهما: وهو أن ملك الحربي لما زال بحصوله في دار الحرب من الوجه الذي ذكرنا، ثبت للعبد الحق أيضا في استرقاق المولى، لأنه لو غلبه، ملكه، ولا جائز أن يثبت هذا الحق إلا لحر، وأما عبد المرتد، فإنه لم يثبت له حق استرقاق المولى، فلم يحصل له معنى يوجب العتق.
فإن قيل: فيجب على هذا أن يكون عبد الحربي إذا أسلم في دار الحرب، أن يعتق بنفس الإسلام لوجود العلة.
قيل له: لا يجب ذلك؛ لأن إسلامه لم يوجب زوال ملك المولى، ولم يتعلق ثبوت هذا الحق للعبد بزوال الملك، فمن أجله لم يعتق، وأما رجوع الحربي إلى دار الحرب، فإنه يوجب زوال الملك الذي كان له في دار الإسلام، وأوجب ذلك العبد حق استرقاقه لو قهره، فلذلك افترقا.
فإن قيل: فما الفرق بينه وبين العبد المسلم إذا أسره المشركون، فملكوه، فلم يكن زوال ملك مولاه الأول موجبا لعتقه، ولم يمنع وقوع الملك المباح لأهل الحرب فيه بعد زوال ملك المسلم، كذلك عبد الحربي؟
قيل له: لأنه لو امتنع وقوع ملك أهل الحرب عليه، لو يوجب ذلك عتقه؛ لأنه يبقى على ملك مولاه المسلم حينئذ، وكان يكون بمنزلة العبد الآبق، وعبد الحربي إذا رجع به إلى دار الحرب، فزوال ملكه لم يمنع حصول عتقه من الوجه الذي وصفنا.
وأيضا: لأن حق المولى المسلم، لم ينقطع بأسر المشركين إياه، ألا ترى أنه إذا غنمه المسلمون: كان له أن يأخذه قبل القسمة بغير شيء، وبعد القسمة بالقيمة، وكان ثبوت حق المولى فيه من هذا الوجه مانعا من