فقد بلغ الغاية من ذلك كله، إلا أن الطبقة المصرية فى هذا الباب كما قلنا أصدق وأجمع، لأن القصاص -وهم مصريون- تكلموا عن علم ووصفوا عن رويه ونقلوا عن سماع.
أما الطبقة البغدادية فقد عبث بها القصاص وشابوها بلهجاتهم وعاداتهم، ولكنها مع ذلك حرية بثقة الباحث إذا استطاع تنقيتها من شوائب البهرج والدخيل.
بقى علينا أن نعرف وجهة كتابنا فى الدين، وليس من العسير على القارئ العادى أن يتبين تلك الوجهة، فإن فى كل صفحة من صفحاته دليلا على أنه مسلم صادق الإيمان، قوى العقيدة، يأخذ تقاليد الدين -صحيحة أو مشوبة- مأخذ العاص الواثق المطمئن، فلا يبحث ولا يستنبط ولا يطبق، حتى فى مقام الحكمة والموعظة لا يكاد يذكر حديثا أو آية، وإنما يستند فى ذلك إلى مأثور الشعر ومنثور الحكم، فسبيله فى الدين إذن أن يدعو إليه ويهتف به ويتعصب له. لذلك نراه لا يتحدث إلا عن المسلمين، ولا يتخذ أشخاصاً لقصصه -حتى الأجنبية منها- إلا من المسلمين، فإذا كان أحد الجنة أو الناس غير مسلم واضطر إلى الَحديث عنه انتهى به إلى الإسلام أو دبر له عقبى سيئة وذلك نادر، كما فعل فى حكاية مسرور المسيحى وزين المواصف وزوجها اليهوديين، فالحبيب والحبيبة أسلما فورفت عليهما ظلال النعيم والحب، وظل الزوج يهوديا فدفنته امرأته حياً. وألف ليلة وليلة بعد ذلك سنَى لا يكاد يعرف فرقة أخرى من فرق الإسلام، حتى الشيعة -وكان لهم على عهده فى مصر دولة الفاطميين، وفى العراق نفوذ البُوَيهيين- لم يذكرهم إلا فى حكاية علاء الدين وهى مكتوبة بمصر على عهد المماليك. ولقد دل حين تعرض لهم فى هذه القصة على جهالة قبيحة أو دعاية سيئة، فقد أشار فى موضع منها إلى أن الروافض كانوا يكتبون اسمى الشيخين على بواطن الأعقاب، وقال فى موضع ثان: إن الرشيد سأل الرجل الذى همّ باغتياله وهو يلعب الكرة والصولجان فنجّاه أصلان بن علاء الدين! أما أنت مسلم؟ فقال: كلا، وإنما أنا رافضى.