للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

سيحون (سرداريا) ونهر إندوس -هذا الاتساع كانت له نتائجه التى أثرت على اللغة العربية، فقد ذهبت هذه اللغة بعيدا عن موطنها الأصلى فى شبه الجزيرة العربية والمناطق القريبة منها، لقد حملتها الجيوش الإسلامية إلى أقاصى المعمورة، وقد أدت حياة المعسكرات ورفقة السلاح إلى تجمع أفراد من قبائل شتى معا واتصلوا ببعضهم اتصالا وثيقا فى الأحياء السكنية مما أدى إلى اختلاط لهجاتهم وتقاربها.

وفى الولايات العربية الجديدة -ربما باستثناء سوريا- كان أهل البلاد يفوقون العرب عددا، وقد استمروا فى استخدام لغاتهم الأصلية لكنهم اضطروا لاستخدام لغة الفاتحين فى تعاملهم مع الحكومة القائمة مع أنهم -فى البداية- كانوا يستخدمونها كبديل مؤقت، وهناك أيضا غير المسلمين الذين وقعوا فى الأسر وعملوا فى خدمة سادتهم العرب فإنهم سرعان ما تعرّبوا واعتنقوا الإسلام، وقد اعتق عدد كبير منهم أو من سلالتهم ولعبوا باعتبارهم من الموالى دورا مهما فى الحياة الاقتصادية للدولة الإسلامية خاصة فى المدن. وكانوا ينطقون العربية بكثير من التبديل والتغيير فى حروفها وتراكيبها ويرجع هذا فى جانب منه إلى نشأتهم غير العربية، كما يرجع أيضا إلى التغيرات الاقتصادية والاجتماعية السريعة، وكانت هذه اللهجات المتباينة تباينا شديدا إحدى خصائص اللهجات العربية المحلية فى هذه المرحلة، وكانت سائدة بين الطبقات الدنيا فى مدن الولايات المختلفة. وكانت هذه اللهجات تتميز بتبسيط النطق، فالقاف القوية الخارجة من أعلى الحلق والتى تبدو واضحة فى كلام البدو لم يعد لها وجود فى هذه اللهجات، وكذلك حرفى الضاد والظاء، لقد اختلطا، وأهملت الحروف المتحركة إذا كانت فى أواخر الكلمات، ولم يكن الإعراب أفضل حظًا منها، وقد أثر استخدام المسيحيين فى فلسطين والشام والعراق وكذلك استخدام اليهود الشرقيين لها واعتمادها كلغة كتابة لديهم منذ القرن الثانى للهجرة (الثامن للميلاد) على مستواها فصارت أقرب إلى خواص العربية الوسيطة (عربية هذه المرحلة) بينما ظل العرب المسلمون متمسكين بلغتهم الفصحى التقليدية.