الخطبة فى العراق أيضًا، وقد أكره القائم بأمر اللَّه العباسى على مغادرة بغداد، وأخذت يد السلب والنهب تعمل بقصره فيها بضعة أيام؛ وكان طغرل بك فى أثناء ذلك على صلات وثيقة بالخليفة، وكان مشغولا فى الوقت نفسه بقتاله مع إبراهيم بن إينال، وما إن أخذ إبراهيم أسيرا ثم قتل حتى أعاد طغرل الخليفة إلى بغداد؛ أما فى الفترة التالية، وعلى الأخص فى السنوات الأخيرة من حكم ملك شاه، فقد كان ثمة خلاف مستحكم بين الخليفة والسلطان؛ على أن هذا الخلاف لم يكن يرجع إلى أسباب دينية بل كان يرجع إلى أسباب شخصية (انظر Houstma فى Journal of indian History جـ ٣، ص ١٤٧، ١٠٦) وكان السلاجقة يعتبرون الخليفة بصفته هذه إمام أهل السنة الذين كان من الواجب على السلاجقة أن يدافعوا عنهم بحد السيف، وقد تذرعوا بالشدة فى القضاة على النشاط الخطير الذى كان يقوم به الإسماعيلية، وأيدوا مصالح فقهاء السنية، ولم يكن الفضل فى ذلك لهم بل لوزرائهم، وعلى الأخص نظام الملك ذلك الرجل العظيم، أما هم أنفسهم فكانوا أبعد الناس عن التعصب للإسلام، كما يتضح من إطلاقهم سراح ليبارتيس الذى تقدم بنا ذكره، ثم إطلاق سراح الإمبراطور البوزنطى رومانوس ديوجينس (Romanus Diogenes)، وكما يتبين أيضًا من معاملتهم لرعاياهم من النصارى؛ ويصدق هذا أيضًا على الثناء الذى وجه إلى بعض السلاطين، مثل ملك شاه لرعايتهم للعلم، ومع أن هؤلاء السلاطين لم يصيبوا شيئا من العلم فقد أوتوا القدرة على تقدير قيمة ما حرموا منه، ومن ثم عهدوا بتسيير دفة الأمور فى دولتهم إلى وزرائهم، وكان وزراؤهم كنظام الملك مثلا يحكمون أحيانا حكما لا يحده قيد؛ أما الطريقة التى كان هؤلاء الوزراء يحكمون بها فقد حدثنا عن ذلك نظام الملك نفسه فى مصنفه "سياست نامه"؛ وأما عن الفنون فإنه لم يبق من عمارة السلاجقة شئ يشهده الخلف إلا القليل جدا، ويستثنى من ذلك مرو وحدها، فقد بقى فيها آثار عظيمة من عهد