في كتب المؤلفين الذين بذلوا جهودًا لإضفاء شئ من الترتيب على حقائق سبق اكتشافها واصطناع قوائم بالترتيب الأبجدي. والراجح أن السبب البسيط لهذا القصور هو الجاحظ، صاحب كتاب الحيوان الضخم في سبعة مجلدات، وكان الغرض الصريح من تأليفه ليس الدراسة العلمية لأنواع الحيوان، وإنما كان الغرض إثبات وجود الخالق بالدليل عن طريق مشاهدة خلقه (جـ ٢، ص ١٠٩ وما بعدها؛ جـ ٣، ص ٢٠٩ وما بعدها)، وتمجيد حكمة الله، الذي لم يخلق شيئًا عبثًا أو مؤذيًا كل الإيذاء: فالحيوانات الخطرة أو المؤذية التي يباح قتلها هي في الواقع محنة يبتلى بها الله الناس (جـ ٣، ص ٣٠٠). والجاحظ على علم تام بما قاله أرسطوطاليس وأحيانًا ينتقده (مثلا جـ ٦، ص ١٧) وينقل منه على سبيل الاستشهاد فقرات كثيرا جدًا (انظر ط. الحاجرى: تخريج نصوص أرسطوطالية من كتاب الحيوان للجاحظ، في مجلة كلية الآداب بالإسكندرية، سنة ١٩٥٣ وما بعدها)، ولكنه مقتنع بأنه ليس في حاجة إلى الالتجاء للأفكار الإغريقية، نظرًا لأن كل ما يرد في مصنفات الفلاسفة في علم الحيوان معروف بالفعل للبدو (جـ ٣، ص ٢٦٨)؛ وهكذا فإنه رغم أنه معجب بصاحب المنطق فإنه يتجاهل عمدًا مبادئ أرسطوطاليس في التصنيف التي من المسلم به أنها أدنى إلى السلبية ومن الصعب فهمها (انظر Parties des ani-maux، ترجمة J.M.Le Blond. باريس سنة ١٩٤٥، جـ ١، ص ٦٦) مما دعا الجاحظ إلى أن يتمسك بمذهب تجريبى أولى.
وبعد أن ذكر الجاحظ (جـ ١، ص ٢٦) أن المخلوقات تنقسم إلى ثلاث طبقات: متفق ومختلف ومتضاد، فإنه بعد شئ من التردد حول المرتبة التي يضع فيها النجوم، والعناصر الأربعة إلخ، يفرق بين الجماد، من جهة، وبين النامي، من جهة أخرى. ثم يقسم النوع النامى إلى "مملكتين": حيوان ونبات. وتنقسم مملكة الحيوان، بدورها، إلى أربعة فروع، حسب الطريقة التي يتحرك بها الحيوان: ما يمشى، وما يطير، وما يسبح، وما ينساح، وهذا التصنيف الذي يقوم على مجرد المشاهدة الجارية