للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسترشدًا بتلك الملابسات الهامة في فهم القرآن.

وأما ما حول القرآن من دراسة عامة، فهو ما يتصل بالبيئة المادية والمعنوية، التي ظهر فيها القرآن وعاش؛ وفيها جمع وكتب وقرئ وحفظ، وخاطب أهلها أول من خاطب، وإليهم ألقى رسالته لينهضوا بأدائها، وإبلاغها شعوب الدنيا. فروح القرآن عربية، ومزاجه عربي، وأسلوبه عربي، "قرآنا عربيا غير ذي عوج" .. والنفاذ إلى مقاصده إنما يقوم على التمثل الكامل، والاستشفاف التام لهذه الروح العربية، وذلك المزاج العربي، والذوق العربي (١) ومن هنا لزمت المعرفة الكاملة لهذه البيئة العربية المادية، أرضها بجبالها وحرارها وصحاريها وقيعانها، وسمائها بسحبها ونجومها، وأنوائها وجوها بحره وبرده وعواصفه وأنسامه، وطبيعتها بجدبها وخصبها، وقحولها أو نمائها، ونباتها وشجرها ... إلخ. فكل ما يتصل بتلك الحياة المادية العربية وسائل ضرورية لفهم هذا القرآن العربي المبين ... مع هذا ما يتصل بالبيئة المعنوية بكل ما تتسع له هذه الكلمة؛ من ماض سحيق، وتاريخ معروف، ونظام أسرة أو قبيلة، وحكومة في أي درجة كانت، وعقيدة بأى لون تلونت، وفنون مهما تتنوع، وأعمال مهما تختلف وتتشعب، فكل ما تقوم به الحياة الإنسانية لهذه العروبة، وسائل ضرورية كذلك لفهم هذا القرآن العربي المبين .. وإذا جهدت الدراسة الأدبية في أن تعرف عن تلك العربية والعروبة أكثر وأعمق وأدق ما يعرف تبتغى بذلك درس أدبها درسًا صحيحًا؛ فإن هذا القرآن رأس هذا الأدب، وقلبه الخافق، ولن يدرس درسًا أدبيًا صادقًا، يفى بحاجة المتعرض لتفسيره إلا بعد أن تستكمل كل وسائط تلك المعرفة للبيئة العربية مادية ومعنوية. أما ما دمنا نقرأ التشبيه العربي القرآنى، أو التمثيل العربي القرآنى، فإذا مادته الأضواء العربية، والظواهر الجوية العربية، والحى أو الجماد المشهود في بلاد العرب لا نعرف عنه شيئًا وليس


(١) إن القرآن معاني ومرامي إنسانية اجتماعية بعيدة الهدف أبدية العمر: لكن ذلك كله إنما جاء الإنسانية في ثوبه العربي وبذلك التعبير العربي، والتمثيل التام لهذه العروبة هو السبيل المتعينة لفهم ذلك كله والوصول إليه.