للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من هذا التعرض، وإن قلت سلامهم جميعًا منه.

...

وإنك لتلمح على غرار هذا تدرج التدوين والتأليف في التفسير، فبينما توجد بمصر أو بغيرها صحيفة فيه، كما سبق، إذا هو جزء أو أجزاء تلقيت عن الصحابة، ثم هي أكثر من ذلك مما يجمع أقوال الصحابة والتابعينء ثم يختلط الفهم العقلى فيه بالتفسير النقلى رويدًا، كالذي تراه في مثل تفسير بن جرير الطبري، وما ذكرناه من كتب التفسير النقلئ ثم يغلب هذا الجهد العقلى على الكتب، فيكون أظهر ما فيها، بيان لم تخل مع ذلك من منقول يتصل بأسباب النزول مثلًا أو يتصل بغيرها من المروئ فترى الزمخشرى في كشافه، ينحو هذا النحو الخاص في تفسير القرآن تفسيرًا ينصر مذهبًا بعينه ولكنه لا يخلى كتابه من هذا المنقول، بل من ضرب ضعيف منه، كالحديث الَّذي يسوقه في فضائل القرآن سورة سورة، فإنه موضوع بإتفاق أهل العلم (١). وهكذا تداخل الصنفان، وإتجهت الكتب إتجاهات متنوعة، بعد ذلك.

هـ - طرائق التفسير:

رأينا ظهور المصنف الثاني من التفسير، المقابل لتفسير الرواية النقلى، وهو تفسير الدراية العقلى، ورأينا كيف أنهما إتصلا وتداخلا، وإذا كان ابن خلدون يقول في المقدمة: "إن ثانيهما قل أن ينفرد عن الأول، إذ الأول هو المقصود بالذات وإنما جاء هذا - الثاني - بعد أن صار اللسان وعلومه صناعة .. نعم قد يكون - الثاني - في بعض التفاسير غالبًا (٢) " إذا قال ابن خلدون هذا فإنا لنقول له: إن هذا الثاني قد وصل القرآن بثقافة المتصدين لتفسيره وصلا قويًّا، شديد الأثر، انتهى إلى التخليط الَّذي ذكره أبو حيان، فأظهره ألوانًا من التفسير وإن فيها أمر النقل .. وهي طرائق من التفسير لعلها مما لا يسهل حصره وتبويبه، إذ كانت متأثرة باعتبارات كثيرة متعددة "وإذا كانت علوم اللسان بعد ما صارت صناعة، قد وجهت التفسير" فإن علومًا عقلية ونقلية قد وجهته توجيهات مختلفة،


(١) أصول التفسير لابن تيمية ص ١٩.
(٢) المقدمة ص ٣٨٤.