مادتها التواريخ المصرية شبها كبيرا وإن كانت أضيق نطاقا.
وما يقال في هذه المصنفات اليمنية ينطبق على تواريخ الأسر الحاكمة والتواريخ المحلية التي كتبت في المغرب والأندلس؛ وهناك بعض كتاب يفوقون غيرهم من مؤرخى المغرب في المادة وفي طريقة الأداء مثل عبد الواحد المراكشى الذي عاش في القرن السابع الهجرى الموافق الثالث عشر الميلادي، وابن أبي زرع الذي عاش في القرن الثامن الهجرى الموافق الرابع عشر الميلادي، إلا أن الوزير الغرناطى لسان الدين بن الخطيب المتوفى عام ٧٧٦ هـ (١٣٧٤ م) يتميز عليهم جميعا لأنه بلغ من الكمال مرتبة تصل إلى حدود العبقرية.
ولعل ابن عذارى يضارع ابن الخطيب إن لم يفقه في مضمار التأريخ القائم على النقد، وهذا الحكم مبنى على المؤلفات التي بقيت في أيدينا لكليهما.
٣ - على الرغم من أن همم الكتاب قد انصرفت انصرافا عظيما إلى التأريخ السياسي فإن نبوغ العرب الحقيقي في علم تدوين التأريخ يتجلى في كتابة السير أكثر من تجليه في رواية الأخبار.
ولقد كان الجمع بين التراجم وبين الحوليات السياسية- سواء أكانت عامة أم محلية- عملا كاد ينعقد عليه إجماع مؤرخى العرب في ذلك العهد كما سبق أن بينا. ويبقى علينا الآن أن نبحث في تلك الطائفة الكبيرة من المؤلفات الموقوفة على ما لا يدخل في باب التراجم السياسية.
في خلال النصف الأول من القرن السابع الهجرى الموافق الثالث عشر الميلادي بلغ الميل إلى التخصص الذي ظهر في العهد السابق (انظر أنقرة ب، ٤) أقصاه بتألف طائفة من المجموعات في التراجم لها شأن خاص. فقد ألم ياقوت الرومى المتوفى عام ٦٢٦ هـ (١٢٢٩ م) بستة قرون مرت على الأدب العربي في كتابه "إرشاد الأريب". وقد صور لنا ابن القفطى المصري المتوفى عام ٦٤٦ هـ (١٢٤٨ م) وابن أبي أصيبعة الدمشتى المتوفى عام ٦٦٨ هـ (١٢٧٠ م) في معجميهما كل ما أنفقه المسلمون الأولون من جهد في الطب والعلوم. ولم ينقطع التأليف في تراجم من خرجوا من إقليم واحد، وشاهد ذلك