(انظر فقرة ٣ في آخرها) وما إن وافى القرن الأخير من حكم المماليك حتى ظهرت مدرسة مصرية متميزة من المؤرخين تخرج فيها نخبة ممتازة من الكتاب إلا أنها لم تلبث أن انهار صرحها فجاة. وتبدأ هذه النخبة بتقى الدين المقريزى صاحب التصانيف الكثيرة المتوفى عام ٨٤٥ هـ (١٤٤٢ م) ومنافسه العينى المتوفى عام ٨٥٥ هـ (١٤٥١ م) ثم يأتي بعدهما تلميذ المقريزى أبو المحاسن بن تغرى (تنرى) بردى المتوفى عام ٨٧٤ هـ (١٤٦٩ م) ومنافسه علي بن داود الجوهرى المتوفى عام ٩٠٠ هـ (١٤٩٤ - ١٤٩٥ م) وشمس الدين السخاوى المتوفى عام ٩٠٢ هـ (١٤٩٧ م) والكاتب المتفنن في علوم جمة جلال الدين السيوطي المتوفى عام ٩١١ هـ (١٥٠٥ م) وتلميذه ابن إياس المتوفى حوالي عام ٩٣٠ هـ (١٥٢٤ م).
وظهر في القرن التالي مؤرخ آخر للفتح العثمانى هو أحمد بن زُئبُل المتوفى بعد عام ٩٥١ هـ (١٥٤٤ م) إلا أنه كان يتبع مذهبا في الرواية مختلفا. وعلى الرغم من أن هؤلاء الكتاب قد وقعوا في كثير من الأخطاء التي وقع فيها أولئك الذين ألفوا الحوليات السياسية الأولى إلا أن انخراط العالم ورجل البلاط في زمرتهم وتناوبهما على التصنيف قد جعل هذه التواريخ أوسع افقا وأصح حكما، وباعد بينها وبين المديح كثيرا. وأظهر ما في مؤلفاتهم أنها تقتصر على مصر إلى حد أن أولئك الذين صاغوا مؤلفاتهم على نسق التواريخ العامة قد جعلوها ضمن إطار مصرى صميم. وأبرز كاتب جرى هذا المجرى هو المقريزى. ولا ترجع مكانته إلى دقته التي لم تكن معصومة من الزلل بقدر ما ترجع إلى دأبه ومثابرته وتشعب أغراضه وعنايته بوجوه التأريخ التي تجنح إلى الاجتماع والإحصاء.
وتختلف كتابات المؤرخين الذين كتبوا عن الأقاليم عن مؤلفات هؤلاء من حيث النطاق أكثر من اختلافها معها في المنهج أو فيما تقوم عليه شخصية الكاتب. فالمصنفات اليمنية التي ألفها ابن وهاس الخزرجى المتوفى عام ٨١٢ هـ (١٤٠٩ م) وابن الدَيبَع المتوفى عام ٩٤٤ هـ (١٥٣٧ م) تشبه في