للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والحديث. أضف إلى ذلك أن مذهب الاستمرار التأريخى كان أحد الأسس التي قامت عليها الفكرة السياسية الدينية عند أهل السنة. وفي مذهب الشيعة، أن الحكم الإلهى يستمر في سلسلة الأئمة، وقد برهن الراوية الشيعى الوحيد بين الذين ذكروا حتى الآن، وهو أبو مخنف، على أثر هذا الشاغل الدينى بتفرغه لكتابة تأريخ الحركات الشيعية في الكوفة. وأقوى من هذا دلالة على مكانة التأريخ من النظر الدينى أن التقوى العمياء والجدل الدينى كانا قد فتحا الباب لروح التحيز والنقاش، ومن الأمثلة المدهشة على ذلك ما أورده سيف بن عمر في كتابه الثاني عن مقتل عثمان. ومن ثم غدا علم التأريخ جزءًا لا يتجزأ من الثقافة الإسلامية، ففي البلاد الواقعة على البحر المتوسط ابدلت الروايات التاريخية القديمة بغيرها أو صيغت من جديد وفقًا للروح الإسلامية. وقد أعقب استقرار الإسلام في هذه الأقطار الشرقية المثقفة التي لم يكن لديها تأريخ مكتوب وكذا في إفريقية الفطرية التي لم تعرف التأليف إطلاقًا، ظهور مؤلفات في التأريخ.

٤ - إن بداية التأليف التأريخى بمعناه الأعم، أي التوفيق بين المواد المستمدة من السيرة، والرسائل المتقدمة الذكر، ومصادر أخرى بغية إدماجها في رواية تأريخية متماسكة، إنما ترجع إلى منتصف القرن الثالث، وأقدم مؤلف سار على هذا النهج القديم هو أحمد بن يحيى البلاذرى المتوفى عام ٢٧٩ هـ (٨٩٢ م) ولقد تتلمذ البلاذرى على ابن سعد والمدائني [. . . . .] (*) كتاباه الكبيران يشفان عن أثر هذين [. . . . .] (*) في نفسه، وعن مزاج النقد في عصره على أكمل وجه، على أن أسلوب التأليف الذي يتميز به ذلك العصر هو تأريخ العالم الذي يبدأ بالخليقة ويلخص تاريخ العالم في إنجاز أو إسهاب جاعلًا هذا الملخص مقدمة للتاريخ الإسلامى ذاته. وليست هذه الفكرة جديدة؛ بل يرجح أن تكون توسعًا في الفكرة التي ينطوى عليها مؤلف ابن إسحاق والتي ترمى إلى ضم الشيء الكثير من التأريخ الجاهلى إلى تأريخ الأمة الإسلامية. بيد أن تأريخ العالم ليس تاريخأ للكون بأصدق معاني الكلمة، فما إن يبدأ عصر ظهور الإسلام حتى ينتفى كل اهتمام للمؤلف بتأريخ الأمم الأخرى.


(*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: مسح بالمطبوعة