للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

أو نحوية أو عروضيّة وإظهاره بمظهر العالم العاجز الذي يتصف بالغباوة والجهل وتسويد الهذيان، في حين أن النظرة تصدى له وناقشه وحلله، وما لم يكن فيه ذلك أهمله وتغاضى النظر حتى عن روايته، ومن ثم حوّل اختيار أبي تمام الأدبي إلى عمل بعيد كل البعد عن الأدب ومجاله.

ونحن نعترف بأن الرجل قد قدم عملًا طيبًا في خلال المجال الذي اصطنعه لنفسه وأفاد فوائد جمة في عنصري اللغة والنحو، ولكن هل هذا هو كل ما ينبغي عمله في اختيار شعري قام على الجودة وخلفه شاعر فذ يعد زعيم مدرسة الشعر؟ ! .

وأما أبو محمد الأعرابي فقد تسلطت عليه نزعة التحدي وإظهار سقطات السابقين، فدفعته هذه النزعة إلى تزييف أعمال النمري في الحماسة العلمية الصحيحة كانت تحتم عليه أن يعرض للرجل فيما أصاب وفيما أخطأ، وأن يورد كلامه كاملًا بدون حذف أو تحوير حتى يتسم نقده له بالموضوعية وسلامة الرأي وحتى يتيح لنا الوقوف على كلاميهما معًا لنرى عمله وعمل النمري ونحكم إن كان ما تصدى به صوابًا أو غير صواب. أما أن يعمد في أكثر من موضع وبدافع من نزعته هذه إلى بتر كلام الرجل وتحويره وفق الوجهة التي يريدها فهي طريقة تبعد عن الموضوعيّة وتنأى عن سبيل العلم القويم، وكذلك تسلطت عليه نزعاه الدائمة نحو ما أخذه عن شيخه أبي الندى والتسليم به في صورة تدعو إلى الدهشة، وهذه النزعة جعلته في عمله الذي أداه في الحماسة مثل شيخه أبي الندى يخضع نصوص الحماسة وفهمها والقدرة على شرحها وتحليلها إلى عملية قصصية إخبارية بحته هي في واقع الأمر تمثل جزءًا من التحليل والشرح وليست التحليل كله.

وأما التبريزي فقد رأيناه ذا نزعتين: نزعة تجعله يهتم كثيرًا باللغة والنحو، ونزعة تجعله ينساق وراء شيخه أبي العلاء فيما خلفه من عمل وما أخذه عنه أيام تلمذته له، ولقد أدت النزعة الأولى إلى كثير من الخلل الذي جاء في مواضع شملت سائر أجزاء شرحه، قصر جهده فيها على النحو واللغة دون عناصر الشرح

<<  <   >  >>