للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

-٣ -

في الشراح

تسلّط نزعاتهم في عمليّة الشرح:

وهي ظاهرة لاحظناها في سائر أعمال الشراح ذوي المناهج الواضحة، فلقد وقفنا عندها في عمل المرزوقي في نزعته إلى التعالي والتفرد من جهة، وإتباعه هواه النفسي ومزاجه من جهة أخرى، وكلا الأمرين كان لهما تأثير واضح في عمله الذي اتصل بالحماسة.

فأما نزعته إلى التعالي والتفرد فقد تسلّط عليه إلى درجة جعلته يستهين بشراح الحماسة الذين سبقوه، لا يذكرهم في شرحه حين ناقشهم بل يشير إليهم بإشارات مبهمة غامضة لا تدل عليهم مثل (وقال بعضهم) أو (وروى بعضهم) وكذلك جعلته يستهين بمعاصرين مثل ابن جني الذي كان يتعرض له مناقشًا بدون أن يسميه في شرحه، وهذا بطبيعة الحال قد حرمنا من الوقوف على مصادره التي اعتمد عليها في شرحه والتي تتصل بالحماسة مما قام به شراح سابقون له في الزمن أو معاصرون له.

وأما إتباعه هوى نفسه ومزاجه في شرح الشعر فقد أثر تأثيرًا واضحًا في خطه العملي لشرح النصوص، وقد تعرّض إلى هذا الجانب في عمله الدكتور أحمد جمال العمري حيث ذكر أن المرزوقي (أخضع الشرح للعامل النفسي والمزاجي، فإذا أعجبه نص جال وصال، وظل يدور حوله ذاكرًا أشياء كثيرة وطويلة، أما إذا لم يعجبه فقلما يعيره التفاتًا، وأحيانًا لا يفسره، وكان يجب عليه أن يتجرد من أهوائه وعواطفه أمام النص، وأن يكون محايدًا لأنه عالم ... والعلم يجب أن ينظر إليه بعيدًا عن الأهواء).

وأما ابن جني فقد تسلطت عليه نزعة الجنوح المستمر إلى اللغة والنحو فأخضع النصوص الشعرية إلى هذه النزعة فما أثار من نصوص الحماسة قضية لغوية

<<  <   >  >>