واحد لخدمة غايتها فهم القرآن والحديث، فهذا الربط بين الشعر واللغة والنحو هو الذي أدى إلى تغول اللغة والنحو أحيانًا في عمل شراح الحماسة، فضلًا عن اهتمام شراح الشعر بهذين العلمين، وتخصص الكثيرين منهم فيهما.
ج- إغفال الشاعر والعوامل الموحية له بالشعر:
لعلنا لاحظنا من خلال دراستنا لهذه الشروح أن اهتمام الشراح فيما يتصل بالشاعر كان موجهًا إلى دراسة اسمه فحللوه لنا لغويًا وبينوا ما هو مرتجل منه وما هو منقول، وأثاروا كل ما يتصل بذلك من قضايا لغوية وصرفية واشتقاقية، كما كان موجهًا إلى نسبه فأوردوه لنا إلى آخر جد وصلوا إليه في عمود النسب المتصل بقبيلته، وموجهًا أيضًا إلى القصص والأخبار التي اتصلت بما قاله من شعر فسودوا الصفحات العديدة بالأخبار المطولة التي تعج بالأسماء والأنساب والأمثال والأشعار. أما الشاعر نفسه فلا وجود له في أعمالهم، نعنى الشاعر الإنسان الذي له وجوده في شعره، وهو الوجود الذي تشير إليه عواطفه ومشاعره، ويدل عليه عقله وتفكيره والخط النفسي الذي يسير فيه أثناء بناء شعره ومعالجته لموسوعاته وعرض أفكاره ومعاينه في هذه الموضوعات، وبناء صورة وأخليته التي يؤدي بها هذه الأفكار والمعاني، وفنيته وإبداعه في صنعه الشعر بما يبرز خصائصه التي تميزه عن شعراء عصره، وربط ذلك كله بثقافته التي ألم بها وبالبيئة التي وجد فيها والمجتمع الذي عاش فيه. كل هذه الأمور التي تجعلنا نعيش مع الشاعر ونلمسه في خطوات تحليل النص أهمل الشراح النظر فيها وفي شروح نصوص الحماسة.
وهذه في واقع الأمر ظاهرة لا تمس شراح الحماسة فحسب، بل تشمل سائر شراح الشعر القديم. وقد أفاد عنها الدكتور أحمد جمال العمري حين ذكر أنه لم يجد لدى الشراح القدامى من يهتم بقصد الشاعر أو دراسة العوامل المؤثرة الموحية بقول الشعر أو دراسة الخط النفسي في القصيدة، أو دراسة الخصائص المميزة لشعره. وعلل ذلك بأن "طبيعة العصور القديمة والظروف العلمية والثقافية فيها لم تكن تلتفت إلى هذا الأمر من قريب أو بعيد، لأن كل ما يهم الشارح وقتئذ هو المادة