للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الضعيف، وكانت البلاد [٥٩] خرابا قبل أن يملكها فعمّها العدل (١)، وعمرت لما ملكها، وقد ذكر أنه كان عنده في مبدأ أمره ظلم، فسمع ليلة وهو نازل بحماة شخصا يغنى على شط العاصى:

«اعدلوا ما دام أمركم ... نافذا في النفع والضرر

واحفظوا أيام دولتكم ... إنكم منها على خطر»

فبكى وتبدلت نيته في الظلم، وأخذ نفسه من حينئذ بالعدل.

ومما يحكى عنه: أنه دخل مرة الجزيرة في الشتاء، ومعه أمير من أكبر أمرائه يقال له عز الدين الدبيسى (٢)، كان من جملة إقطاعه مدينة دقوقا (٣)، فنزل في دار إنسان يهودى من أهل الجزيرة، فاستغاث [اليهودى] إلى عماد الدين، وأنهى حاله إليه، فنظر إلى الدبيسى، فتأخر ودخل البلد وأخرج بركه (٤) وخيامه، قال الحاكى لهذه الحكاية «فلقد رأيت غلمانه ينصبون خيامه في الوحل، وقد جعلوا على الأرض تبنا يقيهم (٥) الطين، وخرج فنزلها».

وكان [عماد الدين] ينهى أصحابه عن اقتناء الأملاك، ويقول: «مهما كانت البلاد لنا فأى حاجة لكم إلى الأملاك؟ فإن الإقطاعات تغنى عنها، وإن خرجت البلاد عن أيدينا فإن الأملاك تذهب معها، ومتى صارت الأملاك لأصحاب السلطان ظلموا الرعية، وتعدّوا عليهم، وغصبوهم أملاكهم».


(١) في س (ص ١٠٨ ا): «فلما ملكها عمها بالعدل، وعمرت لما ملكها».
(٢) في الأصل: «الديسنى»، وهى كذلك في س (١٠٨ ا) وإنما بدون نقط، وقد ضبط الاسم بعد مراجعة مصدر هذه القصة وهو (ابن الأثير، ج ١١، ص ٤٢).
(٣) هكذا ضبطها ياقوت، ويقال لها أيضا «دقوقاء»، وهى مدينة بين إربل وبغداد.
(٤) البرك المتاع الخاص من ثياب وقماش.
انظر (Dozy : Supp Dict .Arab) .
(٥) في الأصل: «يقيها» والتصحيح عن ابن الأثير.

<<  <  ج: ص:  >  >>