الناسِ إذ لا يَليقُ هذا بعالمٍ فَضْلًا عن نبيٍّ عظيمٍ ورسولٍ أَمينٍ!
ثم إِنَّ فيه خَبرًا غيبيًّا، فكيفَ يليقُ بالنبيِّ صلى الله عليه وسلم أن يُخْبِرَ عن غيبٍ لم يوحه إليه علَّامُ الغُيوبِ، ويجعلُ فيه حُكْمًا لأُمَّتِهِ؟ ! ، تاللهِ إِنَّ هذه لإحدى الكُبر، وما هي إِلَّا فِرَىً على رسولِ البَشَرِ.
قال الطحاويُّ:((قال قائِلٌ من أهل الجهلِ بآثارِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وبوجوهها: وهل للذُّبابِ من اختيارٍ حتى يُقَدِّمَ أحدَ جناحيه لمعنى فيه، ويؤخِّرَ الآخرَ لمعنىً فيه خلافَ ذلك المعنى؟
فكان جوابُنَا له في ذلك بتوفيقِ اللهِ عز وجل وعَونِهِ: أنه لو قرأَ كتابَ اللهِ عز وجل قراءةَ مُتَفَهِّمٍ لما يَقْرَؤُهُ منه؛ لوجدَ فيه ما يَدُلُّهُ على صِدْقِ قولِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم هذا، وهو قولُه عز وجل:{وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون}[النحل: ٦٨]{ثم كلي من كل الثمرات}[النحل: ٦٩] الآية، وكان وحيُ اللهِ عز وجل إليها هو إلهامُهُ إِيَّاهَا أن تفعلَ ما أمرها به، كَمِثْلِ قَولِهِ جل وعز في الأَرضِ:{يومئذ تحدث أخبارها}[الزلزلة: ٤]{بأن ربك أوحى لها}[الزلزلة: ٥]. وَوَحْيُهُ لَهَا هو إلهَامُهُ إيَّاهَا ما شاءَ أن يُلْهِمَهَا إيَّاهُ، حتى يكونَ منها ما أرادَ اللهُ عز وجل أن يكونَ منها، والنحلُ كذلك فيما يُوحِيهِ إليها، ليكون منها ما قد شاءَ اللهُ عز وجل أن يكونَ منها. حتى يمضيَ في ذلك بِإِلهَامِهِ إيَّاهَا له، وحتى يكونَ منها ما أرادَ عز وجل أن يكونَ منها. فمثلُ ذلك الذُّبَابُ أَلْهَمَهُ عز وجل ما أَلهَمَهُ مما يكون سببًا لإِتْيَانِهِ لما أرادَه منه من غَمْسِ أَحدِ جناحيه فيما يقعُ فيه مما فيه الداءُ، وَالتَّوَقِّي بجناحه الآخر الذي فيه الشِّفاءُ)) (شرح مشكل الآثار ٨/ ٣٤٣).
وقال الخطابيُّ: ((وقد تكلَّم على هذا الحديثِ بعضُ مَن لَا خَلَاقَ له وقال: كيفَ يكونُ هذا؟ ! وكيف يجتمعُ الدَّاءُ والشِّفاءُ في جَناحي الذُّبَابة؟ ! وكيف