العارضةُ عن لَسْعِهِ، وهي بمنزلة السِّلاحِ، فإذا سقطَ فيما يُؤْذِيهِ، اتَّقَاهُ بسِلاحِهِ، فأمرَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم أن يُقَابِلَ تلك السُّمِّيَّةَ بما أودعه الله سبحانه في جناحه الآخر منَ الشِّفاءِ، فيغمس كلُّه في الماءِ والطعامِ، فَيُقَابِلُ المَادَّةَ السُّمِّيَّةَ المَادَّةُ النَّافِعَةُ، فيزول ضررها، وهذا طبٌّ لا يَهتدي إليه كبارُ الأطباءِ وأَئِمَّتُهُم، بل هو خارجٌ من مشكاةِ النُّبْوةِ، ومع هذا فالطبيبُ العالمُ العارفُ الموفَّقُ يخضعُ لهذا العِلاجِ، ويُقرُّ لمن جَاءِ به بأنه أكملُ الخَلْقِ على الإطلاقِ، وأنه مُؤَيَّدٌ بوحيٍ إلهيٍّ خارجٍ عنِ القُوَى البشريَّةِ.
وقد ذكر غيرُ واحدٍ مَن الأطباءِ أن لَسْعَ الزُّنْبُورِ والعقربِ إذا دُلِكَ موضعه بالذُّباب نفعَ منه نفعًا بَيِّنًا، وسكَّنَهُ، وما ذاكَ إِلَّا للمادَّةِ التي فيه مِن الشِّفَاءِ، وإذا دُلِكَ به الورمُ الذي يخرجُ في شعر العينِ المسمَّى شعرةً بعد قطعِ رُؤُوسِ الذُّبَابِ أَبْرَأَهُ)) (زاد المعاد في هدي خير العباد ٤/ ١٠٢)، ونحوه في (فتح الباري ١٠/ ٢٥١ - ٢٥٢).
ثانيًا: اعلموا -رحمنا الله وإياكم وجعلنا من المهتدين، ولسنة رسوله من المقتدين- أن بعضَ المتفلسفة والمتغربة، رفعوا عقيرتهم في الطَّعْنِ في مثلِ هذه الأحاديثِ التي ظنُّوا عن جهلٍ أو غيرِهِ أنها غيرُ صحيحةٍ، ولهؤلاءِ ولغيرِهِم نقولُ: قبل أن نَدُلك على صحةِ هذا طِبيًّا من الوجهةِ العلميةِ، إنه لا دِينَ للمرءِ دونَ استسلام لأوامرِ الله ورسوله، وأخبار الله ورسوله {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم}، ولا بدَّ من الاحتكام لله ورسوله، قال تعالى:{فلا وربك لا يؤمنون حتي يحكموك فيما شجر بينهم} فقولهم: إِنَّ هذا يخالفُ ما تقرَّرَ في الطِّبِ؟ قلنا: كَذِبٌ، فما كان للرسول صلى الله عليه وسلم أن يَنْطِقَ عنِ الهوى، ومحالٌ -كما زعم بعضُهم- أن يأخذَ هذا من الأطباء يَومئِذٍ من حَكايا