للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً} على وجوب الطاعة واجتناب المعصية رتب عليه الدعاء بالاستعاذة من النار بالفاء كأنه قيل فنحن نطيعك فقنا عذاب النار التي هي جزاء من عصاك، والمقصود منه فوفقنا للعمل بما فهمنا من الدلالة وقيل: إنه مترتب على قوله سبحانك أي نزهناك فقنا، وقيل: إنه جواب شرط مقدر. قوله: (فقد أخزيته غاية الإخزاء الخ) في الكشاف فقد أبلغت في إخزائه وهو نظير قوله: فقد فاز ونحوه في كلامهم من أدرك مرعى الصمان فقد أدرك ومن سبق فلاناً فقد سبق، يعني أنه أذا جعل الجزاء أمرا ظاهر اللزوم للشرط سواء كان اللزوم بالعموم والخصوص كما في المثل أو بالاسنلزام مع التغاير كما في الآيتين يكون الكلام خالياً عن الفائدة إن حمل على ظاهره فيحمل على أعظم أفراده وأخصها لترتيب الفائدة كفاز فوزاً عظيماً، وأخزى غاية الإخزاء، ونحوه: فلا يرد أن الآية ليست كالمثلى المذكور لأن فيه جعل العامّ جوابا وفي الآية هما متغايران لأنّ الشرط عذاب جسمانيّ، والجواب عذاب روحاني كما صرّح به فأوّل كلامه لا يلائم آخره، وبهذا عرفت وجه قوله غاية الإخزاء وجعل المثل نظيراً له، والصمان اسم جبل والخزي الافتضاح، وتهويله بجعله غاية ذلك وفيه إشارة إلى أنه لا يقتضي تخليد كل من دخلها كما توهم، وهذا من كلام رجل يسمى حنيف الحناتم ضربت العرب به المثل فقالوا آبل من حنيف الحناتم وهو رجل من تيم اللات كان أعرف الناس بأحوال الإبل في الجاهلية قال القالي: وهو القائل من قاظ الشرف وتربع الحزن وشتى الصمان فقد أصاب المرعى اص. قوله: (وقيه إشعار بأنّ العذاب الروحاني أفظع) هو مأخوذ من التفسير الكبير قال فيه: احتج حكماء الإسلام بهذه الآية على أنّ العذاب الروحاني أقوى قالوا: الآن الآية تدل على تهديد من عذب بالنار بالخزي، وهو عبارة عن التخجيل والإهانة، وهو عذاب روحاني فلولا أنّ العذاب الروحاني أقوى لما حسن تهديد من عذب بالنار بعذاب الخزي والخجالة، اهـ يعني أنه رتب فيه العذاب الروحاني وهو الإخزاء على الجسماني الذي هو إدخال النار، وجعل الثاني شرطاً والأوّل جزاء، والمراد من الجملة الشرطية الجزاء والشرط قيد له فيشعر بأنه أقوى وأفظع والا عكس.

وأيضاً المفهوم من قوله: {فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} وطلب الوقاية منه، وقوله: ربنا الخ دليل

عليه فكأنه طلب الوقاية من المذكور لترتب الخزي عليه فيدلّ على أنه غاية ما يخاف منه فما قيل إن أراد العذاب بالأعمال الروحية فالأمر ظاهر وان أراد المعنى المشهور فوجه الإشعار أنّ السوق قرينة على أنّ المراد بإدخال النار التعذيب الروحاني وفيه ما فيه مما لا وجه له بعد التأمّل فيما ذكرناه. قوله: (أواد بهم المدخلين الخ) يعني بمقتضى السياق ومالهم أي لمن دخلها من أنصار وهو ردّ على الزمخشرفي في قوله فلا ناصر لهم بشفاعة ولا غيرها إيماء إلى مذهبه وفي الكشف الظاهر من الآية من دخل النار فلا ناصر له من دخولها إمّا أنه لا ناصر له من الخروج بعد الدخول، وذلك لأنه عامّ في نفي الإفراد مهمل بحسب الأوقات والظاهر التقييد بما يطلب النصر أولاً لأجله كمن أخذ يعاقب فقلت ماله من ناصر لم يفهم منه أنّ العقاب لا ينتهي بتغييبه وإنه بعد العقاب لا يشفع له بل يفهم منه أنه لا مانع يمنعه عما حل به، ثم إن سلم التساوي لم يدل على النفي، وما قاله القاضي من أن نفي الناصر لا يمنع الخ ظاهر، والقول بأنّ العرف لا يساعده غير متجه. قوله: (أوقع الفعل على المسمع الخ (اختلف النحاة في سمع المعلقة بعين فذهب الأخفش وكثير من النحاة إلى تعديه إلى مفعولين وذهب الجمهور إلى أنه لا يتعدى إلا إلى واحد واختاره ابن الحاجب قال: وقد يتوهم أنه متعد إلى مفعولين من جهة المعنى والاستعمال أمّا المعنى فلتوقفه على مسموع وأمّا الاستعمال فلقولهم سمعت زيداً يقول ذلك وسمعته قائلا وقوله تعالى: {هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ} [سررة الشعراء، الآية: ٧٢] ولا وجه له لأنه يكفي في تعلقه المسموع دون المسموع منه وإنما المسموع منه كالمشموم منه فكما أنّ الشم لا يتعدّى إلا إلى واحد كذلك السماع فهو مما حذف فيه المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه للعلم به ويذكر بعد. حال تبينه ويقدر في يسمعونكم إذ تدعون يسمعون أصواتكم، وهو أبلغ من تقدير دعاءكم هذا ملخص كلامه في الأمالي، والزمخشري جعل المسموع

<<  <  ج: ص:  >  >>