فيها وأمّا باعتبار أنها في أنفسها منازل منفصل بعضها عن بعض فيناسب بذلك جمع طولها وقصرها مع تفاوت مراتبها في الفضل، وقد وجه قدس سرّه ما في الكشاف بأنه يريد أن الرتبة إن جعلت حسية فلأن السورة يترقى فيها
القارئ ويقف عند بعضها أو لأنها في أنفسها منازل منفصل بعضها عن بعض متفاوتة في الطول والقصر والتوسط وإن جعلت معنوية فلتفاوت رفعة شأنها وجلالة محلها في الدين كل واحدة منها رتبة من تلك المراتب ولا يخفى أن صنيع الزمخشريّ أحسن والمصنف لم يميز الحسيّ من المعنويّ ففي كلامه تسمح إلا أنّ المراد ما في الكشاف. قوله:(وإن جعلت مبدلة الخ) أي إن جعلت السورة مهموزة أبدلت همزتها واواً على القياس المعروف فهي من السؤر ونقل إلى البعض والقطعة مطلقاً وأخروه لما قيل من أنه ضعيف لفظاً إذ لم يسمع همز. ولم ينقل في قراءة من السبع أو الشواذ وان أشعر به كلام الأزهري حيث قال أكثر القرّاء على ترك الهمزة ومعنى لأنها اسم ينبئ عن قفة وحقارة ويستعمل فيما فضل بعد ذهاب الأكثر، ولا ذهاب هنا إلا تقديراً بالنظر إليها نفسها وفيه أنه قال في الدرّ المصون أنها لغة تميم وغيرهم يقولون سؤرة بالهمز، وما ذكر إن كان باعتبار الأغلب فمسلم لكنه لا يرد هنا والا فاللغة تشهد بخلافه ولا يلزم من كون ذلك أصلها أن يلزمها ألا ترى أنّ لفظ سائر من السور، وقد تخلف عنه ما ذكر. قوله:(والحكمة في تقطيع القرآن الخ) أي جعل القرآن سورا مفصلة يشتمل على فوائد وحكم جليلة كما في سائر أفعاله:
من عرف الله أزال التهمه. وقال كل فغله لحكمه
فمنها إفراد الأنواع أي جعل كل نوع منها على حدة أو كل أنواع متناسبة في سورة مستقلة، وتلاحق الأشكال المراد بالتلاحق وهو تفاعل من اللحوق الاتصال والمقاربة، والأشكال بفتح الهمزة جمع شكل كضرب وهو ما يماثل الشيء قال الله تعالى:{وَآخَرُ مِن شَكْلِهِ}[سورة ص، الآية: ٥٨] وبقال الناس أشكال وآلاف كما قيل:
إنّ الطيور على أشباهها تقع
وتجاوب النظم التئامه وائتلافه حتى كان بعضه يجيب بعضاً منه وهو استعارة حسنة والترغيب فيه لأنه إذا سهل حفظه يرغب فيه وقوله نفس ذلك عنه بتشديد الفاء تفعيل من النفس بالفتح وله معان منها الفرج، ويقال اللهتم نفس عني أي فرج عني كربي وهذا منه والمعنى خفف تعقبه وأراحه، وقوله كالمسافر تشبيه للقارئ وقد ورد في الحديث تسميته بالحال المرتحل والبريد مساقة معلومة وهو معرّب بريده دم أي مقطوع الذنب لأنه كان يوضع فيه دواب لاتصال العمال والإخبار بسرعة للخلفاء وتجعل تلك الدواب كذلك لتكون علامة لها ثم
سمي بذلك الرسول والمحل والمسافة وهو اثنا عشر ميلاً، والميل ثلاثة فراسخ والفرسخ اثنا عشر ألف خطوة وطيّ البريد قطع المسافة وحذقها بزنة ضربها بحاء مهملة وذال معجمة وقاف أي أتم قراءتها مجاز من قولهم سكين حاذق أي قاطع كما في الأساب وغيره والحذق في الأصل الذكاء وسرعة الإدراك وابتهج بمعنى فرج وسرّ وقوله إلى غير ذلك من الفوائد يتعلق بمقدر وهو متصل بأوّل الكلام أي فمن ذلك التقطيع ما ذكر من الحكم مضمونا إلى غيره مما يعلم بالقياس على المذكور ويجوز تعلقه بقوله ابتهج بتضمنه معنى نشطه وهيجه إلى غير ذلك والأوّل هو المراد ومن الفوائد أنه أبلغ في إظهار الإعجاز وذلك لأنه إذا فصل القرآن إلى سور تفصيل كلام البلغاء، ومع ذلك عجزوا عن أقصر سورة منه كان ذلك أبلغ في التعجيز كما مرّت الإشارة إليه وما ذكر من الفوائد منها ما يتعلق بالمقروء ومنها ما يتجلق بالقارئ ومثله الكاتب وهو غنيّ عن البيان. قوله:(صفة سورة الخ) في الكشاف من مثله متعلق بسورة صفة لها أي بسورة كائنة من مثله والضمير لما نزلنا أو لعبدنا ويجوز أن يتعلق بقوله فأتوا والضمير للعبد وقد اشتهر هنا سؤال في وجه التفرقة بين الوجهين وتجويز رجوع الضمير لما نزلنا وللعبد إذا كان الجار والمجرور صفة لسورة ومنعه ضمنا على تقدير تعلقه بقوله فأتوا وأوّل من سأله أستاذ الكل العلامة العضد حيث قا ا! مستفتياً علماء عصره