للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بالمعاني وأين هذا من ذاك، والحاصل أنّ الهيئة الاجتماعية التي لا جزاء السورة بمنزلة السور والآيات بمنزلة بيوت البلد، وفي قوله البلد المسوّر إشارة إلى المحيط والمحاط به لا المحاط به فقط كما قيل، وأمّا ما قيل على المصنف رحمه الله من أنّ في كلامه نظراً لأنّ السورة ليست محيطة بطائفة منه بل مشتصلة عليها اشتمال الكل على الأجزاء لا الظرف على المظروف فهو كما قيل:

سارت مشرقة وسرت مغرّبا شتان بين مشرق ومغرب

وقوله مفرزة بمعنى مفصولة مميزة عن غير! بالمبدأ، والمقطع من فرزت الشيء أفرزه

إذا عزلته عن غيره وميزته كما في الصحاح وأمّا افريز الحائط لطنفه فمعرّب رواز وقد عرّبو. قديماً كما في كتاب المغرب ومنه قول أبي نواس في بركة في روضة:

بسط من الديباح بيض فروزت أطرافها بفراوز خضر

ومحوزة أي مجتمعة وحيالها انفرادها عن غيرها والحاصل أنها مستقلة ممتازة بحيز يخصها. قوله: (أو محتوية على أنواع الخ) هذا هو الوجه الثاني في الكشاف وهو أنّ السورة اسم للألفاظ والمسوّر المحاط بها هو المعاني لأنّ الألفاظ كاللباس والقوالب للمعاني، وأشار إلى وجه الشبه بقوله احتواء الخ. قوله: (أو من السورة التي هي الرتبة الخ) الرتبة من رتب الشيء رتوبا استقرّ ودام فهو راتب وهي كالمنزلة والمكانة وعلى هذا شبهت السور بالمراتب المحسوسة لأن القارئ يترقى في تلاوتها واحدة بعد واحدة كما يرقى الصاعد للمراتب العلية أو لأنها ذات مراتب متفاوتة في الشرف والثواب والفضل والطول والقصر، وتفاوت بعض القرآن في مراتبه بحسب ما ذكر مما صرّح به في الفقه اكبر، وله تفصيل في شروحه وهو لا ينافي

قوله تعالى: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا} [سورة النساء، الآية: ٨٢] الآن مثل هذا الاختلاف لا يضرّ كما سيأتي في تفسير هذه الآية، والبيت المذكور من قصيدة للنابغة الذبيان مسطورة في ديوانه أوّلها:

نبئت زرعة والسفاهة كاسمها يهدي إليك أو أبد الأشعار ومنها:.

فلتأتينك عداوتي وليدفعن ألف إليك قوادم اكوار

رهط ابن كوز محقبو أدراعهم فيهم ورهط ربيعة بن حذار

ولرهط حرّاب وقدّ سورة في المجد ليس غرابهابمطار

وحرّاب بزنة حسان فعال من الحرب بالحاء والراء المهملتين وفي شرح شواهد الكشاف

أنه روي بالزاي المعجمة أيضاً ولم يذكره أبو عبيدة في شرح ديوانه، وقذ بفتح القاف وتشديد اندال المهملة وفي بعض شروح الكشاف بالذال المعجمة وهما غلمان لرجلين من بني أسد، وقال الصاغاني: هما ابنا ملك ولا منافاة بينهما، وقوله ليس غرابها بمطار هو مثل كني به عن الخصب وكثرة الثمار بحيث إذا وقع الغراب والطير فيها لا يذاد عنها لكثرة ثمارها، وقيل إنه كناية عن رفعة الشأن والمرتبة أي لا يصل إليها الغراب حتى يطار أو لا تصل الإشارة إلى غرابها حتى يطار وهو كقوله:

ولا ترى الضبّ بها ينحجر

أي لا غراب بها ولا إطارة وهذا أنسب بالبيت المذكور ومثله قول النابغة أيضاً:

ألم تر أنّ الله أعطاك سورة ترى كل ملك دونها يتذبذب

قوله: (لأن السور كالمنازل الخ) إشارة إلى أنّ الرتبة يجوز أن تكون حسية ومعنوية كما

مرّ، وهذا معنى قوله في الكشاف لأنّ السور بمنزلة المنازل والمراتب يترقى فيها القارئ وهي أيضاً في أنفسها مترتبة طوال وأوساط وقصار أو لرفعه شأنها وجلالة محلها في الدين، وقيل بينهما تخالف فإنه في الكشاف جعل وجه التسمية أمرين كون السور كالمنازل والمراتب يترقى فيها القارئ وهي أيضاً في نفسها مرتبة طوال وقصار وأوساط وثانيهما رفعة شأنها وجلالتها في الدين والمصنف عدل عنه وجمع الرتب في الطول والقصر والتوسط مع التفاوت في الشرف والفضل والثواب لأن التسمية إمّا باعتبار مراتب القارئ

<<  <  ج: ص:  >  >>